..........اليوم اول عيد في غياب الحب..
اليوم وللمرة الاولى منذ سبع وستون عام .....تعيد فلسطين دونك يا درويش
اليوم تمنيت لو كنت في السماء...حيث انت .............................................
او في رحم الارض الحبلى بالقصيده....................لكنك باق...وهم العابرون
......هو انت ...كما انت..فارسا في العيد فارسا حتى في رحيلك..هل كان لا بد ان تطير حيا او حيا كما
علمتني..فقلت ان نكون او نكون ... فلماذا حملت مفرشك فامتطيت صهوة القصيدة
وتركت قميصك مسرودة من حديد التحدي و الكبرياء..
هكذا تطل علينا مضرجا برموزك و كنوزك ..بعذابك وعذوبتك.. بخيط الجرح
المكابر.. و ترمم بعضا من خرائب الروح فينا و تسدل على ذاكرة النسيان ستائر الذكرى . ذطرى اول غياب للقصيدة في العيد...
لمذا تصر ان تكون حتى برحيلك شاعرا استثنائي .. وانت من
قال:
سدوا علي النور في زنزانة
فتوهجت في القلب شمس مشاعلي
الست القائل:
هل خر مهرك يا صلاح الدين... هل هوت البيارق ؟
هل صار سيفك.. صار مارق ؟
فلماذا لحقت بصلاح الدين اليوم وتركتنا اموات بعدك
وللارض قصيده:
"في شهر آذار، في سنة الإنتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية. في شهر آذار
مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات. وقفن على باب مدرسة إبتدائية، واشتعلن
مع الورد والزعتر البلديّ. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق النهائي – آذار
يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً
ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.
أنا الأرض
والأرض أنت
خديجةُ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل".
و لمن تركت (( بطاقة هويتك ))
(( وعابرون في طريق عابر )) و ( سنة أخرى ) الخ ....
هل صحيح :" أن الحياة تصبح أقل جدارة بأن تعاش إذا خلت من الشعر".
علمت انك تودعنا عندما لعبت النرد..كنت اقوى من قلبك وانت ترمي بالزهر على
الطاوله وكان وريدك
ينزف وانت تصر على الانتصار على خصمك ورفيق عمرك ..ذلك الفتى الصغير..ابن
بروة عكا محمود درويش...اذا لماذا تركته هناك في البروه وحملت جسك الى هيوستون
الكثيرون من قبلي ومن بعدي علمهم درويش حب الشعر و حب التحدي و حب الحياة فهو إحدى قلاعنا الشعرية
و هو كما بيروت كان وسيبقى" خيمتنا الأخيرة.... نجمتنا الأخيرة " منذ ان " تركت الحصان وحيدا" ترجلت يا درويش " إن الفرح العظيم و الحزن العظيم وحدهما يصنعان شعرا..." وكعادتك المعهودة و المحمودة تستنفر كل طاقتك
التعبيرية فتمزج اللغة بالرمز و التاريخ و الأسطورة و الغنائية و الملحمية بكل
ثقة و اقتدار.. فإذا القصيدة سفر في سفر التاريخ غابرا و حاضرا و في ثنائية
الموت و الحياة.. و العدم و الوجود.. و الفناء و الخلود يسطر درويش لحنا ابديا.
هكذا كصديقك المتنبي و المعري الذي يطرد نقاده من قصيدته.. و من البعيد تفوح
رائحة الخبز "فمازال تنور أمك مشتعلا و التحية ساخنة كالرغيف"
وقد كنت مع الموت في غاية الدماثة و اللطف.. تحاوره حوارا هادئا طالبا منه التمهل ريثما تنهي قراءة "طرفة بن العبد" فهل انهيته.. وانت تتلو كل وصاياك و
تلملم أدواتك الشخصية متسائلا عن أحوال المناخ هناك في الأبدية البيضاء........ و طبيعة اللغة السائدة أهي دارجة أم فصحى..؟ لقد طلبت منه عدم الغدر و استغلال
نقطة الضعف.. محذرا إياه من التدخل في شؤون قصيدتك.. إلى أن تقول : هزمتك يا موت الفنون جميعها"
هكذا اذن تالفت وتحالفت مع الموت..من دون أن يخاف أحدكما الآخر..فبينكما "إمتاع
ومؤانسة"وبكل بساطة حددت يا درويش مساحة المكان التي ستشغلها ..لكنه ثعلب هذا
الحليف...خطفك منا. واخذ "المتر و75سنتمترا" من مساحتك التي اختزلتها ..فكانك اردت خداعه..لكنه الموت يا سيدي.
حصان درويش تماما _كما حصان مالك بن الريب وعنترة_ يحك بحافر الشهوات أوعية الصدى.
وليس اقل روعة من حصان انكيدو وهو السجان الابن المكلف بحماية المدينة من نشيده إذا..لقد حاولت مجابهة الموت..ورايتك تلوذ في قصيدتك بالرمز والأسطورة
والتاريخ ككل الشعراء ولكنك لست الوحيد...فأوزوريس هو من أعظم آلهة المصريين القدماء قتل ورمي في
النيل ثم بعث بفضل زوجته إيزيس..فأصبح رمز القيامة لكل حي. وكلكامش في الملحمة البابلية يبحث عن سر الخلود.. وانكيدو البطل الأسطوري..رافق كلكامش وشاركه في مغامراته ..وامرؤ القيس_مجنون ليلى_قابيل_أيوب....
أشهد أنني عشت ومت وعشت مع الوحيد في البياض.. وتعذبت مع القصيدة _حتى أمسكت ببعض خيوطها وخطوطها_لكنه العذاب اللذيذ الجميل..... إذا صح التعبير.
"رأيت المعري يطرد نقاده من قصيدته" أرجو ألا يطردني محمود درويش من قصائده فلست ناقدا بل أنا قارئ صعلوق أتسكع على قارعة الكلام... أستجدي من الشعر كشحاذ بعضا من خبز الروح وظلال الكلام. لقد تجرات عليك يا سيد الشعر..جبانا انا بعد رحيلك... لا شعر بعد الان..
محمود درويش عاد "لاعب النرد" وبكل جدارة قبض على جمرة الشعر العربي ...وهو يجترح معجزته الخالدة .....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ارحب بردودكم