كشف هذا المخلوق المتناهي الصغير الذي أطلقنا
عليه اسم كورونا 19Covid- عن مدى ضعف إنسان العصر الحديث وهشاشة النظام العالمي الذي حاول صياغته
منذ الثورة الصناعية وحتى اللحظة، لقد اهتزت مفاهيم علمية وفلسفية كبيرة وسقطت
بعضها كما سقطت الأيدولوجيات الشمولية نهاية الحرب الباردة مع سقوط جدار برلين
كأحد أهم رموز المرحلة السابقة. فلم يعد يجدي نفعا مادية ماركس الجدلية ولا نقدية كأنط
التحليلية، أو مثالية هيغيل الكلية، لا بل تقف كلها حائرة أمام فكر وبنيوية فوكو القائمة على التفكيك،
فالبشرية توقفت في اللحظة ذاتها وكأننا لم نعبر مرحلة العصور الوسطى نحو إنسان
الحداثة وصيرورتها "العولمة"، ولم نعد نفكر فيما بعد الحداثة وما بعد
العولمة، بل فيما بعد كورونا، فلن يكون العالم كما كان قبلها.
لقد انكمشت كل هذه المفاهيم بسرعة لم يتوقعها
أحد - حتى في أسوء هواجسنا- نحو الدولة القومية (الحارسة حسب أنطوني سميث) وفي بعض
الأحيان المدينة (الدولة). وهو قانون العزل التام الذي فرضته معظم دول العالم
لمواجهة الفيروس الخطير.
لقد صدق جان فرانسوا ليوتار Jean-François Lyotard عندما رفض حتمية التقدم فأثبت أن التاريخ البشري لا يشترط أن يسير في خط حتمي بتتابع الأحداث وبالتالي المراحل، كما أن تشكيك يورغن هابرماس J.Habermas، تلميذ الفيلسوف والمفكر الألماني الأمريكي هيربيرت ماركوزا(Herbert Marcuse) قد قال في كلمته الشهيرة التي أغضبت الكثيرين عند تسلمه جائزة أدورنو التي تمنحها مدينة فرنكفورت بألمانيا، في ذلك الخطاب الذي ألقاه يوم 11 أيلول / سبتمبر 1980 وادعى فيه بأن "الحداثة مشروع غير مكتمل" كان صائبا جدا بعد قرابة ثلاثة عقود، بل نستطيع القول أن الحداثة مشروع لن يكتمل.
لقد صدق جان فرانسوا ليوتار Jean-François Lyotard عندما رفض حتمية التقدم فأثبت أن التاريخ البشري لا يشترط أن يسير في خط حتمي بتتابع الأحداث وبالتالي المراحل، كما أن تشكيك يورغن هابرماس J.Habermas، تلميذ الفيلسوف والمفكر الألماني الأمريكي هيربيرت ماركوزا(Herbert Marcuse) قد قال في كلمته الشهيرة التي أغضبت الكثيرين عند تسلمه جائزة أدورنو التي تمنحها مدينة فرنكفورت بألمانيا، في ذلك الخطاب الذي ألقاه يوم 11 أيلول / سبتمبر 1980 وادعى فيه بأن "الحداثة مشروع غير مكتمل" كان صائبا جدا بعد قرابة ثلاثة عقود، بل نستطيع القول أن الحداثة مشروع لن يكتمل.
لقد تميز إنسان الحداثة عن سابقيه بعدة صفات،
انهارت كلها الواحدة تلو الأخرى مع ظهور فيروس كورنا المستجد، والذي بات يهدد
البشرية بشكل لم يسبق له مثيل، ولا يعود ذلك لعدم وجود تكنلوجيا وتقنيات حديثة بل
العكس تماما هو الصحيح، فالسبب المباشر يعود لوجود هذه التكنلوجيا، فحمولة العولمة
التكنلوجية والصناعية وفكر ما بعد الدولة القطرية التي تضاءل وجودها على حساب
الشركات متعددة الجنسيات وسياسة الحدود المفتوحة وحرية الحركة والتنقل السريع
بوسائل النقل الجوي والبري والبحري كلها تقنيات ومفاهيم علمية ونظرية كانت سببا
مباشرا في سرعة انتشار الفيروس والفتك السريع بأعداد كبيرة من البشر في زمن قياسي.
ارتفعت وتيرة مقاومة العولمة مع ظهور الأزمة
المالية العالمية قبل أكثر من عشر سنوات، وبالتحدي عام 2008، فمن آثار العولمة المباشرة
كانت الزيادة الكبيرة في نسبة الهجرة من دول الجنوب والمحيط التابع إلى دول الشمال
والمركز، مما رفع نسبة الحاملين لجنسيتين وبالتالي الحركة المستمرة بين الوطن الأم
والوطن المضيف فيما عرف بالحركة العابرة للحدود. مع زيادة ملحوظة في عدد الأغنياء
الذين تضاعف ثروتهم على حساب الانكماش الذي شهدته الطبقة الوسطى وزيادة معدلات
البطالة والفقر، فالإحصائيات الرسمية لمؤشرات البطالة في كثير من الدول الكبرى هي
احصاءات خادعة ولا تعكس حقيقة الوضع الاقتصادية السائدة، فلو عمل أحدهم ساعة واحدة
اسبوعيا يخرج من قائمة الدولة على أنه عاطل عن العمل. كما أن العاملين بأقل من
الحد الأدني للأجور لا يدخلوا ضمن طبقة العاطلين عن العمل، في بداية شهر إذار من
هذا العالم ، ارتفع معدل البطالة الأمريكية من 230 ألف عاطل عن العمل الى 3.3
مليون عاطل قبل نهاية الشهر.
فبينما استفادت الطبقة البرجوازية في العالم الغربي فقط من النشاط الاقتصادي العالمي في ظل العولمة وهي نسبة قليلة جدا في مجتمعاتهم استفادت الطبقة الوسطى والدنيا منها في كل من الصين والهند على سبيل المثال، رغم مستوى التدني الحاد في الأجور وظروف العمل اللاإنسانية.
فبينما استفادت الطبقة البرجوازية في العالم الغربي فقط من النشاط الاقتصادي العالمي في ظل العولمة وهي نسبة قليلة جدا في مجتمعاتهم استفادت الطبقة الوسطى والدنيا منها في كل من الصين والهند على سبيل المثال، رغم مستوى التدني الحاد في الأجور وظروف العمل اللاإنسانية.
أن مشكلات العولمة اللامتناهية تعود لطبيعتها
كنظام ما بعد الرأسمالية، فمشكلات الهجرة الشرعية وغير الشرعية التي تفاقمت في
العقدين الأخيرين، والتي لا تعترف بالحدود خاصة فيما يتعلق بالتلوث البيئي،
وانسحاب كبريات الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ،
وكذلك الحال فيما يتعلق بفيروس كورونا الذي يعيد إلى الأذهان الموت الأسود الذي
قضى على ثلث الشعب الأوروبي في حينه، حيث انتشر وباء الطاعون الذي اجتاح أنحاء أوروبا بين الأعوام 1347 وحتى سنة 1352.
يتنبأ كريس هيجيز (Chris Hedges)
في كتابه الذي نشر في أغسطس 2018 بسقوط
الإمبراطورية الأمريكية America: The Farewell
Tour، ويعتقد أن الانهيار قد بدأ فعلا قبل ثلاثة
عقود من الزمن، حيث تحولت أمريكيا من الدولة المنتجة إلى الدولة المستهلكة على
المستوى الاقتصادي، وزيادة وتيرة النفوذ العنصري الذي يعتقد بتفوق العرق الأبيض White supremacy , والنازيين الجدد، وحالة الشعور بالاغتراب التي
أدت إلى زيادة الاقبال على الكحول والادمان على المخدرات بأعداد كبيرة، مما رفع
معدلات الانتحار، فالأمور في الولايات المتحدة ليست أسوأ
مما كنت تظن فحسب ، بل إن الوضع يكاد يكون ميؤوسا منه. يجادل الكاتب الحائز على
جائزة بوليتزر في أن النخب الحاكمة في أمريكا قامت بتزوير النظام لصالحها وقلصت
ضوابط الحكومة من أجل تضخيم أرباحها بينما تقوم بتضييق الخناق على الجميع تقريبًا.
حيث يسيطر اليأس والكراهية على كل شيء - من المصانع والاستوديوهات الإباحية إلى كازينوهات ترامب
المفلسة، ويسود شعور عام بأن النخبة قامت بفصل مئات الملايين من الناس - بسبب
الحداثة - من التقاليد والمعتقدات والقيم الدينية وكذلك "البنية المجتمعية" التي تخلت عنها الرأسمالية العالمية باعتبارها
غير ضرورية. إن غضب أولئك الذين يشعرون بالتخلي عنهم يتم التعبير عنه بالفاشية
الجديدة، واليمين المسيحي-الصهيوني، والميليشيات اليمينية البديلة، والفوضوية
العنيفة.
لقد تراجعت الحريات
عموما في القرن الواحد والعشرين، والحرية التي كانت بمثابة وعد أمريكا لشعبها
وللعالم بدأت بالتلاشي، عادة ما تحتاج
الإمبراطوريات إلى غموض مُقَنَع – هذا القناع يتمثل في حفلات التنكر التي أقيمت
على مر الزمن، والتي تجسد رمزية الفساد الأخلاقي والمادي للنهب الإمبراطوري الذي
يغوي بعض النخب المحلية ويشعرها بالأمان من أجل الكياسة وحفظ ماء الوجه. لكن الحيل
القديمة لوكالة المخابرات المركزية لم تعد تصلح للعصر الحالي. إن فقدان الغموض يؤدي
إلى الشلل، مما يجعل من الصعب العثور على بدائل ممكنة لإدارة إمبراطورية الولايات
المتحدة "الوحشية" في الخارج يقابلها وحشية متزايدة في الداخل.
لكن، حتى لو يظهر
فيروس كورونا كالشعرة التي قصمت ظهر البعير، فإن سقوط امبراطورية المحافظين الجدد،
ورأس المال اليهودي الذي يمثل الدولة العميقة في الولايات المتحدة، حيث همهم
الوحيد جني المزيد من المال وبالتالي السلطة، دون أدنى اعتبار للمجتمع الأمريكي
نفسه، ناهيك عن بقية الشعوب.
من فضائل كورونا على
البشرية أنه كشف كثيرا من خبايا السياسة العالمية، وانكشفت عورات الكثيرون من
الساسة، الذين أساؤوا تقدير الموقف من الفيروس الصغير، فهذا كبيرهم الذي علمهم
السحر، بتغريداته الشهيرة على تويتر، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتبر في 24
شباط 2020 أن مرض كورونا عبارة عن انفلونزا بسيطة، وانه تحت السيطرة ووضع سوق
الأسهم جيد جدا، وبعد أقل من اسبوعين من
هذه التغريدة، ظهر ترامب عصبيا بشكل ملحوظ، آمرا شركة جينيرال موتورز الأمريكية أن
تعيد تشغيل مصنعها الغبية (على حد قوله) والمهجور في أوهايو فورا، والبدء في تصنيع
أجهزة تنفس اصطناعي.
سريعا جدا، بدأ كبار
المحللين الاقتصاديين على مستوى العالم بتحليل نتائج جائحة كورونا على الاقتصاد
الأمريكي وبالتالي العالمي، وبدى واضحا أن الأغلبية منهم وصلوا إلى اللحظة الفاصلة
التي بدأ فيها الشكّ يساورهم حول ترنح الأمبراطورية الأمريكية العظمى !! بينما
نشرت الصحافة الأميركية الحديث الذي دار بين الرئيس السابق جيمي كارتر وبين الرئيس
الحالي دونالد ترامب خلال لقائهما الأخير، عندما طلب منه أن يحدّثه عن الصين، لقد نشر
كارتر ما دار في اللقاء على الملأ خلال
جمعية عمومية لكنيسة في جورجيا، قال كارتر، قلت له بوضوح "أنت تخشى أن تسبقنا
الصين، وأنا أتفق معك. لكن هل تعرف لماذا الصين في طريقها لتجاوزنا؟ لقد قمت أنا
بتطبيع العلاقات الديبلوماسية مع بكين سنة 1979. منذ ذلك التاريخ، هل تعلم كم عدد
المرات التي خاضت فيها الصين الحرب ضد أيٍّ كان؟ ولا مرة. أما نحن، فقد
بقينا في حالة حرب دائمة. الولايات المتحدة هي البلد الأكثر ولعاً بالحروب في
تاريخ العالم، لأنها ترغب بفرض القيم الأميركية على البلدان الأخرى. بينما تستثمر
الصين مواردها في مشاريع مثل سكك الحديد للقطارات فائقة السرعة بدل تخصيصها للنفقات
العسكرية. كم كيلو متر من السكك الحديدية للقطارات فائقة السرعة لدينا في بلدنا؟
لقد بدّدنا 3000 مليار دولار على النفقات العسكرية. أما الصين فلم تبدّد فلساً
واحداً على الحروب، ولذلك هي تتفوّق علينا في جميع المجالات تقريباً. ولو أننا
أنفقنا 3000 مليار دولار على البنية التحتية الأميركية، لكان لدينا سكك حديد
للقطارات فائقة السرعة وجسور لا تنهار وطرق تتم صيانتها بشكلٍ صحيح. كما أن نظامنا
التعليمي سوف يصبح جيداً مثل نظيره في كوريا الجنوبية أو هونغ كونغ." إلى هنا انتهى كلام كارتر.
نستطيع أن نصل إلى
دلالات كبيرة حول ما قاله الرئيس السابق للحالي، فكم هو غريب أن لا يخطر هذا
التفكير السليم أبداً في بال أي مسؤولٍ أميركي. إن وضع العلاقة المرضية مع العنف
المسلح محل تساؤل هو أمر غاية في الصعوبة بكل تأكيد، خاصة في دولة تبلغ نسبة
نفقاتها العسكرية 45% من الإنفاق العسكري العالمي ولديها 725 قاعدة عسكرية في
الخارج، ويتحكّم صانعو الأسلحة فيها بالدولة العميقة ويحددون السياسة الخارجية
المسؤولة عن 20 مليون قتيل منذ سنة 1945. في هذا الصدد يقول مارتن لوثر كينغ :
"إن حرب فيتنام هي أحد أعراض المرض الذي يضرب الذهنية الأميركية التي تقوم
على دعائم ثلاث هي العنصرية والمادية والعسكرة."
هناك أخطاء قاتلة
ارتكبها قادة الولايات المتحدة هددت مستقبل وجودها. وجروها إلى ذات المصير الذي
عرفته تلك الإمبراطوريات التي بادت بسبب طموحاتها المنفلتة من كل عقال، والتي
اختنقت بالمعنى الحرفي بسبب الوزن الباهظ لنفقاتها العسكرية، لقد حظيت أمريكا بعدد
قليل جدا من الرؤساء الحكماء، فعلى سبيل المثال، أدان الرئيس إيزنهاور المجمع
العسكري-الصناعي الأمريكي الذي وضع عبئاً ثقيلاً على المجتمع الأميركي وذلك في
نهاية ولايته، سنة 1959. لم يكن إيزنهاور، مثله مثل دونالد ترامب أو باراك أوباما،
مهتماً بمصير الشعوب الجائعة أو التي تعرضت للغزو وللقصف على يد قوات النخبة في
الجيش الأمريكي باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكنه كان مثل كارتر اليوم، استشعر
بوضوح أن سباق التسلح سوف يكون السبب الرئيسي لسقوط الإمبراطورية الأمريكية.
إن جرائم المحافظين
الجدد من عشاق " القنابل الذكية"، أسقطوا آلاف الأطنان منها على فقراء فيتنام
ولاوس وكمبوديا ودعموا دكتاتوريات الشرق
الأوسط وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية، ودمروا دولا كاملة كأفغانستان والعراق وليبيا
وسوريا، ناهيك عن الأعمال السرية والقتل المنظم
الذي قام به جهاز المخابرات المركزية الأميركية، مثل إبادة اليسار الإندونيسي (نصف
مليون قتيل) وصولاً إلى فرق الموت التي شكلتها في غواتيمالا (ربع مليون قتيل)
مروراً بحمامات الدم التي نفذت لحسابها بواسطة مجرمي ما يسمى بالجهاد العالمي،
ناهيك على عشرات المليارات من الدولارت والأسلحة التي تزود بها اسرائيل سنويا،
تشرعن في فلسطين المحتلة الاستيطان والقتل والدمار وهدم البيوت منتهية بصفقة القرن
الذي رفضها العالم باسره.
لقد مارست الامبراطورية الأمريكية استراتيجية
احتواء الشيوعية بواسطة قنابل النابالم أيام الحرب الباردة ثم قادت مجموعة من
الغوغائيين حملة مسعورة لنشر ما افصحت عنه
كونداليزا رايس تحت مسمى "الفوضى الخلاقة"، كل هذا كان وما زال يدار
بشكل مباشر بأيدي الدولة العميقة
الأميركية او تلك الدمى سالفة الذكر، إنهم أولئك الذين يتربعون على أرائك الكونغرس
والمكتب البيضاوي، إضافة إلى الأدوات المجرمة في مراكز الأبحاث التابعة للمحافظين
الجدد الذين أغرقوا المجتمع الأميركي نفسه في حالة من الركودٍ الداخلي تحت غطاء اقتصادي
مزيف يقوم على طباعة الأوراق الخضراء.
وعليه فإن التدخلات
العسكرية الأمريكية في دول وشعوب المعمورة هي التعبير الصارخ للخراب والدمار والسبب
الرئيس في هذا التقهقر، فالسياسة الخارجية الأمريكية وراء التضخّم الجنوني في
النفقات العسكرية مضحية بالنمو في بلدٍ
يزداد فيه الأغنياء غنىً والفقراء فقراً.
في مقال نشر حديثا في
مجلة حزب المقاومة الشيوعي الفرنسي )
(PRCF
لأستاذ الفلسفة والمحاضر في العلاقات الدولية يقول Bruno Guigue "في الوقت الذي تستثمر فيه الصين في
البنى التحتية المدنية، تتخلى الولايات المتحدة عن تلك البنى لمصلحة صناعة السلاح.
تتفاخر واشنطن وتتحدّث بصخبٍ في الخارج، لكنها تترك البلاد تتفسّخ في الداخل. صحيح
أن الناتج الإجمالي المحلي هائل بالنسبة إلى عدد السكان، لكن 20% منهم يقعون تحت
مستوى خط الفقر، فالسجون مكتظة، إذ يشكّل عدد السجناء الأميركيين 25% من عدد
السجناء حول العالم، هناك 40% من السكان مصابون بداء السمنة. ومعدل أعمار
الأميركيين (79.6 سنة) يأتي بعد معدل أعمار الكوبيين (80سنة). كيف يمكن لبلدٍ
اشتراكي صغير، وخاضع للحصار، أن يكون أفضل من قوةٍ عظمى رأسمالية مكلّلة بالهيمنة
الكونية؟ الجواب هو أن العناية الصحية لعامة الشعب في الولايات المتحدة ليست من
أولويات النخب الحاكمة سياسيا واقتصاديا."
ويتابع برونو جيج
مؤكدا "أن الولايات المتحدة تستفيد من
وضعٍ خاص في الريوع. إذ لا يزال الدولار العملة الرئيسية في المبادلات الدولية وفي
احتياطيات المصارف المركزية. لكن هذا الامتياز ليس أبدياً، حيث تستبدل كلاً من
الصين وروسيا احتياطاتهما من الدولار بالسبائك الذهبية وباستعمال اليوان الصيني في
جزءٍ متنامٍ من مبادلاتهما التجارية".
وفي دراسة قام بها مكتب PwC للتدقيق بعنوان، "العالم سنة 2050: كيف
سيتغير الاقتصاد العالمي في السنوات الثلاثين المقبلة" تخلص إلى نتائج مرعبة
أهمها أن الولايات المتحدة تعيش على القروض وعلى حساب بقية العالم، لكن إلى متى؟
تقول الدراسة أم "الدول الناشئة" مثل الصين، الهند، البرازيل،
إندونيسيا، المكسيك، روسيا وتركيا، يمكن أن تشكل 50% من الناتج الإجمالي العالمي
سنة 2050، بينما ستنخفض حصّة السبعة الكبار، أو ما يسمى G7 (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، فرنسا،
ألمانيا، إيطاليا، اليابان) إلى 20%.
ومن هنا، يمكننا أن
نختم بالقول "إن سقوط النسر بات وشيكاً" هذا كان قبل كوفيد-19 أما بعدها
فهو مؤكدا.
لقد انهارت
امبراطوريات كثيرة على مر التاريخ، فبريطانيا الأب الشرعي للولايات المتحدة انهارت
بشكل تدريجي، وعلى فترات زمنية متباعدة، أي أن تراجعها لم يكن صادما ومفاجئاً، لكن
سقوط الإمبراطورية الأمريكية سيكون مدويا ودمويا جدا، ذلك حسب الدلائل العملية
والعلمية، الاقتصادية منها والاجتماعية، ليس الامبراطورية الأمريكية فحسب، بل
النظام العالمي برمته، وكل حمولته بداية من الحداثة والرأسمالية إلى النيوليبرالية
المتوحشة.
سنشهد جميعا ترنح
النسر الأمريكي وربما سقوطه الكبير والمخيف، وربما السقوط بأزمة اقتصادية كبرى
تؤدي إلى حرب أهلية وبالتالي تفكك الولايات المتحدة إلى مجموعة من الدول على غرار
الاتحاد السوفيتي السابق، وقد تعاني
البشرية لسنوات قادمة من عدم الاستقرار وهزات ارتدادية نتيجة هذا السقوط المتوقع،
لكن قوانين الطبيعة وإبداع الانسان سيعيد التوازن لعالم أكثر عدالة وأكثر أمنا
وسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ارحب بردودكم