إليك عمي الحبيب
كان يعزق الأرض شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً...والقبلة وجهته دائماً.. هكذا كان يحلو له أن يسميها ..لموقعها جنوب الزاوية...وربما لتقديسها..لم أرَ أبدا ًرجلاً يعشق الأرض كما عشقها...عشقها فعلاً لا قولاً...إذ من الصعب أن يمر يوم من أيام السنة ولا يزور فيه الأرض...ربما لا يفعل ذلك اليوم أكثر من رفع صرارة من تحت زيتونة، ويتفحص كل شيء فيها.
هذا الزيتون الذي رباه كأولاده...سقاه بعرق جبينه وعشقه كحبيبة... تغزل فيه كأنثى جميلة...رغم الحياء الذي يزين محياه...فالإيمان أحد أبرز صفاته...ولا تحتاج أن تبحث عنه في الوجه القبلي أو كما يسميها (الحريقة) ...لانك ببساطة سترى الطيور تحلق في المكان حيث يشق صوته عنان السماء وهو يردد بلحن عذب جميل، على البيدر، كلما توقفت رياح تموز، يشرع المذراة عالية في كبد السماء، ويقولها ملحنة كسمفونية عذبة "لا إله الا الله" فيرد عليه الاخ الاكبر الحاج جميل السلخي "محمد رسول الله" . وإذا بنسمة تأتي من أقاصي الغرب، هكذا مسرعة كأنما تقبل جبهته المتوضأة بعرق الظهيرة، أشعر - وأنا الطفل آنذاك- بقشعريرة تلف جسدي الغض، ينتفض قلبي، وأتساءل في نفسي: هل سمع الله النداء!!
رباه، ها قد بلغت من الكبر عتيا، وما زالت قسماته ترتسم أمامي على صفحات الماء، كلما شدني الحنين لتعميرة المغارة، ونحن نجتمع تحت سقها مرة في كل عام، في تشرين، حيث يبعث الله على زيتوننا اول الغيث فيغسله، هناك، عدت قبل أيام ابحث في لحن الخواطر المنساب من السماوات حلما وعبقا من الورد لروحه الطاهرة، فيكبر فيَ إبداع النسيم وزرقة صفحات الماء تعانق انعكاسات وجهي بعيدا في الأخاديد قبالة وادي العين، كرائحة الند والعود المحروق وبخور الأرض السمراء..اشتم انفاس الحاضر ملأ الغياب.
أسير الكلام أبقى، يحركني صمت الخيال..أهيم على وجهي في الظلال، هناك عند صبرة صابرة..يدغدغني سكونه البهي حتى انبلاج الظلام على خط ناي..هنالك فوق هامات القصائد، أقول ..أو لا أقول، هو ذاك عمي الجميل، رأيت فيه شموخ النخيل، تواضع خروبة في وادي السحايل، وإشراقة شمس الأصيل، على تلة تعنانق تينة في منطاره، أقبل صخرة صلى عليها، ولامس براحتيه روحي وقلبي، إليك عماه ازجي التحايا، دعائي وحبي.
انه عمي الحاج محمد أمين السلخي...عمي الذي احببته مثل ابي..وربما أكثر...على روحك السلام...حيث تنام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ارحب بردودكم