نتنياهو آخر ملوك "إسرائيل"

بقلم: طارق موقدي

مقدمة:

قبيل قرابة شهر، وتحديدا في منتصف نيسان من العام الحالي 2020،  قام اللوبي الصهيوني في أمريكيا والمعروف باسم (ايباك  AIPAC)،  أو لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية العامة بعقد مؤتمر ادعى فيه المشاركون أن القرآن الكريم تنبأ بقيام دولة "إسرائيل"، وإذا كان الأمر كذلك فعلى العرب والمسلمين أن يعترفوا بها، ويقيموا علاقات طبيعية معها. لم يحدد المشاركون في البيان على أيَّ نبوءة قرآنية اعتمدوا، ولكننا نؤكد أن القرآن تنبأ بنهاية هذه الدولة لفسادها، وطغيانها في الأرض في قوله تعالى:" فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".!  ولكن ما دفعني للكتابة في هذا المجال هو قوله تعالى في سورة الإسراء: "وَقَضَيْنَا إلى بَنِي “إسرائيل” فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" [الاسراء: 4].

نلاحظ أن القرآن الكريم لم يتحدث بشكل مباشر عن فساد اليهود، بل إن النص دقيق إلى درجة أنه يخبرنا فقط أنه قال، أو قضى لبني “إسرائيل” في كتابهم هم؛ أي (التوراة) أنهم سيفسدون في الأرض مرتين، إذن فالنبوءة موجودة في التوراة أساسا، وأن الله –تعالى-يخبرنا  بذلك حتى إذا حرفوها  في كتابهم ستبقى في كتاب تكفل الله-تعالى - بحفظه، فهل ستشهد التوراة بما يقوله القرآن عنها، وحتى نقول للصهاينة: هذه بضاعتكم ردت إليكم، ومن التوراة نفسها.

يقول الله –تعالى- عنهم: "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" ] آل عمران: 78  [فإذا لم نجد نبوءة قيام “إسرائيل” وخرابها في التوارة نفسها، فسيعود ذلك لسببين، إما أننا لم نهتد للنبوءة، وسيكون هذا عيب فينا، وإما أنهم حرفوها وهذا عيب فيهم، وفي كلتا الحالتين سواء أوجدناها ام لم نجدها فقد صدق الله –تعالى- في كتابه وهو الأولى أن يتبع.

وهنا، لا بد من البناء على أساس متين، معتمدين على قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ  وَسَلَّم في حديث أبي هريرةَ :" لا تُصَدِّقوا أهلَ الكتابِ ، ولا تُكَذِّبوهم و ( قُولُوا آمَنَّا باللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) صحيح البخاري.

." فنحن نقرأ مع التأكيد أن ما نستكشفه هو خارج دائرة الاعتقاد والوحي الإلهي؛ أي إنه غير ملزم لنا كمسلمين وبين أيدينا كتاب هو خاتم الرسالات، لكننا لا نكذب ما نقرأ إلا في خلاف واضح مع العقيدة ولسنا ملزمين بتصديقه حتى وإن توافق مع عقيدتنا، فهو بحث مشروط ضمن إطار من الظن، والاحتمال، والرأي، والرواية التاريخية لا غير.

تحدث القرآن الكريم عن فساد بني “إسرائيل” في سورة بني “إسرائيل” أو الإسراء بقوله: "وَقَضَيْنَا إلى بَنِي “إسرائيل" فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" [الإسراء:4] ونحن كما تقدم سنبحث في التوراة عن الفساد الذي تكرر أو سيتكرر مرتين، لكننا لن نسهب كثيرا في الفساد الأول الذي نعتقد أنه تم وانقضى قبل الإسلام، وفي أوقات الأنبياء الذين بعثهم الله لهم، ففسدوا بقوله تعالى:"َ فَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ" [البقرة:87]  ونلاحظ هنا أن الخطاب موجه لمن يملك سلطة القتل وهم  قادتهم وملوكهم،  كما أن الفساد المعني في الآيات السالفة ليس فسادا فرديا؛ لأن فساد اليهود كأفراد لم يتوقف، بل هو فساد دولة وسلطة من هم على سدة الحكم  الذين سيفسدون مرتين، فهل هناك فساد أكثر من قتل الأنبياء والكفر بآيات الله "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [آل عمران:21]

لا أذيع سراُ إذا أخبرتكم أن قراءة التوراة أمر مرهق جدا، فاللغة ركيكة والكلمات في بعض الأحيان غريبة، والجمل غير مترابطة، ولأنه في الأساس ليس كتابا عربيا، فالترجمة تبدو مثقلة مما يفقدها انسيابية النص وبلاغة اللغة، فلا تكاد تجد فيها أي جمالية، أو ترابط بنيوي، أو نسق موسيقي يريح قلبك وعقلك، هذا الصعود والهبوط في المعنى يصيبك بتعب ونصب.

نقلب الأسفار سريعا علنا نجد ضالتنا من سفر [التكوين] حتى آخر أسفار العهد القديم سفر [ملاخي]، فتقع عيناك على يوم الرب، فهل يقصد به يوم القيامة، أو علامات الساعة؟ خاصة إنه السفر الأخير، ربما، يقول ملاخي لليهود: «لقد أسأمتم الرب بكلامكم وتقولون بما أسأمناه بقولكم؟: كل من يصنع الشر فهو صالح في عيني الرب، وبهم هو يرتضي او بقولكم: أين إله العدل».

بين أخذ ورد، بين أسفار [اشعيا، وحزقائيل] إلى نحو [أرميا ] تجد نفسك في العهد الجديد بين إنجيل [متى] وإنجيل [يوحنا]، كلهم يتحدثون عن الرؤيا، أو يحاولون تفسيرها فما هي هذه الرؤيا؟؟

لما يأخذ مني وقتا طويلا كما اعتقدت بداية، حتى وجدتها، إنها رؤيا دانيال النبي، بل هي أكثر من رؤيا ، وهي مربط الفرس، فسفر دانيال عبارة عن 12 إصحاحا و358 فقرة، وقد كتب في بعض أجزائه بالعبرية، وبعضها الآخر بالآرامية، وهناك إضافات يونانية لا يعترف بها  اليهود البروتوستانت بينما تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية، ونحن سنبحث فيما يعتقد به اليهود لا غيرهم، ويقسم السفر من حيث المحتوى إلى قسمين، هما أدب القصة، وأدب الرؤى وتفسيرها. وهذا الأخير هو ما يهمنا. وهو كذلك قسمان، فهو رؤى رآها آخرون، وفسرها دانيال، ورؤى رآها دانيال نفسه وذكرها في سفره، حتى إن بعضها رواها دون أن يفهمها. فسأل عنها للملاك فأجابه أنها "مختومة إلى وقت النهاية"، وما عليك إلا أن تريح نفسك من محاولة فهمها، فهي أمور غيبية ستحدث بعد سنين لا يعلمها إلا الله.

للوهلة الأولى تدرك أنك أمام نص مشفر، فالكلمات لا تحمل معناها الظاهري، فالرؤى غارقة في الرمزية، كرؤيا يوسف -عليه السلام-: "إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ" [يوسف:4]

وهذا يذكرنا في الرؤيا التي رآها الملك وفسرها يوسف كذلك "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" [يوسف: 43] بل إن القرآن الكريم يذكر رؤى الأنبياء ويؤكد على أنها حق، فهذا أبو الأنبياء أبراهيم -عليه السلام-:" قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أرى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ" [ الصافات: 102]

وعليه فرؤى دانيال النبي، إذ يجمع أهل العلم من المسلمين على نبوته، وتفسيره للرؤى يدخل في هذه الدائرة، هذا بالطبع، إن لم تعمل في السفر أيدي العابثين من الكهنة والحاخامات من تحريف وتزوير.

دانيال -عليه السلام- كان ممن سباهم نبوخذ نصر فيما عرف بالسبي البابلي في 606 ق.م، وهنا لا بد من التوضيح أن السفر الذي يحمل اسمه ينقسم من حيث الرؤيا كما أسلفنا إلى قسمين، القسم الأول يتعلق برؤيا رآها نبوخذ نصر وفسرها دانيال، وهي رؤيا عامة تتحدث عن الامبراطوريات التي ستحكم الأرض منذ ذلك الحين حتى نهاية الزمان وعددها خمس ، فقد رأى نبوخذ نصر تمثالا عظيما في منامه، فقال له دانيال مفسرا: "  أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم.
هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، صدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد والبعض من خزف، كنت تنظر إلى أن قطع حجارة بغير يدين تضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقتهما. فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان، أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها، هذا هو الحلم، فنخبر بتعبيره قدام الملك: -
"أنت أيها الملك ملك ملوك؛ لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها، فأنت هذا الرأس من ذهب، وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد؛ لأن الحديد يدك ويسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء.
وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف الفخار والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث إنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين، وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف، فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف، وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إلـه السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد؛ لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرّف الملكَ ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين."

كما نلاحظ هناك وضوح في الرؤيا وقد فسرها دانيال بمهارة فائقة، أما الممالك التاريخية الخمس فهي:

المملكة الأولى: (رأس ذهبي) هي مملكة بابل التي يحكمها نبوخذ نصر نفسه،

المملكة الثانية: (صدر فضي) هي مملكة فارس التي قامت بعد بابل وسيطرت على العراق وبلاد الشام ومصر

المملكة الثالثة: (فخذ من نحاس) هي مملكة اليونان التي اجتاحت مملكة الفرس بقيادة الإسكندر المقدوني سنة (333 ق.م) وهنا تاريخ مهم حيث بدأ التقويم الاسكندري كتقويم عالمي.

المملكة الرابعة: (رجلين من حديد ثم حديد وخزف) هي الامبراطورية الرومانية التي انقسمت إلى شرقية عاصمتها بيزنطة = القسطنطينية، وغربية عاصمتها روما.

المملكة الخامسة: (مملكة الله) كان علماء الكتاب المقدس ينتظرون المملكة الخامسة بفارغ الصبر، وكانوا يعلمون يقيناً أنها ستقوم على يد نبي آخر الزمان، المسمى عندهم "أركون السلام"، الذي على كتفه خاتم النبوة، والذي بشَّر به الأنبياء كلهم، ولكنهم عندما جاء كذبوه، نعم إنها مملكة الإسلام. التي سحقت مملكتي الروم والفرس. وهي الوحيدة التي ستبقى إلى الأبد وإن غابت بعض الوقت.

هناك رؤيا أخرى في سفر دانيال، على غرار الرؤيا السابقة، ولكنها على شكل وحوش هذه المرة، تقول: إن دانيال " رأى أنه صعد من البحر الكبير أربعة حيوانات ضخمة مختلفة: - فالأول: كان كالأسد، ولـه جناحا نسر، وأما الثاني: فكان كالدب، وفي فمه ثلاثة ضلوع، لكن الثالث كان: كالنمر، وله أربعة رؤوس، وأربعة أجنحة ، الرابع والأخير هو: حيوان عظيم جدا، قوي لـه أسنان حديدية، أكل وداس بقية الحيوانات برجليه، وكان له عشرة قرون طلع من بينها قرن صغير، طلعت من قدامه ثلاثة قرون، وظهر لهذا القرن الصغير عيون، وفم إنسان، فتكلم بإلحاد وكفر، ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام ذي العرش الذي تخدمه الألوف المؤلفة!! وبقيت الحيوانات الأخرى حية لكن نزع عنهم قوتهم وسلطانهم".

تبدو هذه الرؤيا معقدة أكثر، وفيها تفاصيل كثيرة، لكن ما يهمنا فيها هنا، هو ذلك القرن الصغير، الذي يتكلم بكفر وإلحاد، ….. ورغم صغر حجمه فهو مؤثر جدا، تعالوا نرى تفاصيل أكثر عن هذا الوحش الصغير، ماذا سيفعل؟، من هو؟ متى سيظهر؟ ومتى سينتهي؟ وكيف تكون نهايته على يد قديم الزمان؟

يطلق سفر الرؤيا على القرن الصغير تعبير الوحش الصغير، لكنهما يجتمعان في الصفات، فيقول: "ما أعطي للوحش أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم. [رؤ/ 13: 7] وهنا نجد التشابه مع  دانيال "يتكلم القرن بكلام ضد العلي". [7: 25] وفي سفر الرؤيا "يفتح الوحش فمه بالتجديف على الله". [13: 6]

سقوط القدس، الفساد الثاني والعلو الكبير

لنقرأ هنا تفاصيل حول جريمة القرن الصغير "ومن واحد منها خرج قرن صغير، وعظم جدا نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي، وتعظم حتى إلى جند السماوات، وطرح بعضا من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم، وحتى إلى رئيس الجند تعظم، وبه أبطلت المحرقة الدائمة، وهدم مسكن مقدسه، وجعل جندا على المحرقة الدائمة بالمعصية، فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح، فسمعت قدوسا واحدا يتكلم. فقال قدوس واحد لفلان المتكلم: إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب، لبذل القدس والجند مدوسين، فقال لي: إلى ألفين وثلاث مئة صباحا ومساء، فيتبرأ القدس". نجد هنا أن فساد الوحش الصغير في القدس الذي تبرأ وتتطهر منه حيث يدوسها ويدنسها بعد 2300 عام

نعود هنا للمقارنة مع الواقع والحقيقة، ومع كلام الله- تعالى- في القرآن الكريم، ولننظر إلى النص: "وعظم جدا نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي"  وعظم جدا، (ولتعلن علوا كبيرا) نحو الجنوب (مصر) ونحو الشرق بلاد الشام، فخر الأراضي (الأرض المقدسة)
ثم (وتعظم حتى إلى جند السماوات، وطرح بعضا من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم، وحتى إلى رئيس الجند تعظم) هزيمة سبعة من الجيوش العربية وفساد عظيم، ( وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ )  قوة مادية عسكرية، هذه القوة تبطل المحرقة الدائمة، وتهدم مساكن مقدسة وتمارس المعصية في المحرقة الدائمة، فتطرح الحق على الأرض وتنجح في ذلك، تشير المُحرِقة الدائمة هنا للمكان المقدس، حيث يحرق فيه البخور، وهذا رمز الطهارة والقداسة،  وهي إشارة لإغلاق المسجد الأقصى المبارك، ومنع الصلاة فيه أكثر من مرة، وسيطرة الوحش الصغير عليه ويمنع فيه الصلوات ويهدم بيوت الله ويمارس الفاحشة والظلم على الأرض بالقوة المسلحة، ولكن دانيال يتساءل: "إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب، لبذل القدس والجند مدوسين؛ أي متى يحدث هذا؟؟ نجد الجواب إذا عدنا لتاريخ الإسكندر الكبير الثالث الذي حكم من سنة (336 - 323) ق.م واستولى على الأراضي المقدسة عام 333 ق. م ، فالاستيلاء على المسجد سيتكرر من ذلك التاريخ، وهو الفساد الأول، ويكون الفساد الثاني هو طرحنا التاريخ السابق الوارد في النبوءة (2300-333=1967)

 وهنا يتجلى الجواب عن السؤال الذي طرحه دانيال وهو متى يسيطر الوحش الصغير على المسجد الأقصى المبارك؟، والذي لم يكن قد تم مع قيام دولة الاحتلال عام 1948م. ولم تعطِ التوراة أهمية كبرى لتاريخ إقامة الدولة أكثر من سقوط بيت المقدس بأيدي اليهود عام 1967، فقد قدمته كأهم حدث سيحصل بعد ذلك التاريخ، وفي نفس الوقت لم تهمل الحدث الأول بشكل كلي.

 تعالوا بنا ننتقل إلى رؤيا ثالثة لدانيال وهي الأهم على الإطلاق:

هذه هي رؤيا الأسابيع، حيث جاءه الملاك وقال له: "سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القديسين، فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً وأسبوع (7+62+1=70 أسبوع)... حتى يقول: وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة والقدس، وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وحِرَبٌ قضى بها، ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطِّل الذبيحة والتقدمة، وعلى جناح الأرجاس مُخَرِّب حتى يتم ويصب القضاء على المخرَّب''.
ملاحظة: يطلق الاحتلال على المقاتل الفلسطيني (مخرب) فهل هذه التسمية صدفة؟ ومنذ التاريخ أعلاه؛ أي موعد  إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب

لم يفهم دانيال، فيقول  ''وأنا سمعت وما فهمت، فقلت: يا سيدي ما فهمت"  فصل وابتهل إلى الله، فجاءه الملاك مرة أخرى قائلاً: ''جئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيامٍ بعد''. أعتقد دانيال أن الأحداث قريبة، فجاء الملاك يؤكد له أنها ليست كذلك "وَكَانَ لَمَّا رَأَيْتُ أَنَا دَانِيآلَ الرُّؤْيَا وَطَلَبْتُ الْمَعْنَى ، إِذَا بِشِبْهِ إِنْسَانٍ وَاقِفٍ قُبَالَتِي * وَسَمِعْتُ صَوْتَ إِنْسَانٍ بَيْنَ أُولاَيَ، فَنَادَى وَقَالَ : يَا جِبْرَائِيلُ ، فَهِّمْ هذَا الرَّجُلَ الرُّؤْيَا * فَجَاءَ إِلَى حَيْثُ وَقَفْتُ ، وَلَمَّا جَاءَ خِفْتُ وَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي ، فَقَالَ لِي : افْهَمْ يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّ الرُّؤْيَا لِوَقْتِ الْمُنْتَهَى * وَإِذْ كَانَ يَتَكَلَّمُ مَعِي كُنْتُ مُسَبَّخًا عَلَى وَجْهِي إِلَى الأَرْضِ ، فَلَمَسَنِي وَأَوْقَفَنِي عَلَى مَقَامِي * وَقَالَ : هأَنَذَا أُعَرِّفُكَ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ السُّخَطِ ، لأَنَّ لِمِيعَادِ الانْتِهَاءَ)

في الاصحاح الثاني عشر تكتمل الرؤيا،  ففي العدد الخامس جاءت الرؤيا كالتالي: "فنظرت أنا دانيال وإذا باثنين آخرين قد وقفا واحد من هنا على شاطئ النهر، وآخر من هناك على شاطئ النهر 5 ، وقال للرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر: إلى متى انتهاء العجائب 6؟، فسمعت الرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر، إذ رفع يمناه ويسراه نحو السماوات وحلف بالحي إلى الأبد: إنه إلى زمان وزمانين ونصف. فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس تتم كل هذه 7، وأنا سمعت وما فهمت . فقلت: يا سيدي، ما هي آخر هذه 8،  فقال: اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية 9،  كثيرون يتطهرون ويبيضون ويمحصون، أما الأشرار فيفعلون شرا. ولا يفهم أحد الأشرار ، لكن الفاهمون يفهمون 10، ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوما 11، طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى الألف والثلاث مئة والخمسة والثلاثين يوما 12، أما أنت فاذهب إلى النهاية فتستريح، وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام 13"

هنا نجد الرؤيا تتكلم بالأرقام وتحدد تسلسل الأحداث والفوارق الزمنية بين كل حدث وآخر، فنجد:
1- زمانا وزمانين ونصف وقت انتهاء العجائب وبعد تفريق أيدي الشعب المقدس.

2- 1290  يوما بين إزالة المحرقة الدائمة ورجسة الخراب؛ أي تعطيل الشرائع.

3- 1335 طوبى لم يعيش تلك الأيام؛ أي بعد نهاية رجسة الخراب

لقد جاء في سفر [حزقيال] 4 :6 ] فاذا اتممتها فاتكئ على جنبك اليمين أيضا فتحمل اثم بيت يهوذا أربعين يوما فقد جعلت لك كل يوم عوضا عن سنة) فتتحول الأرقام  كلها إلى سنوات. أي؛ إن الزمن يعني سنة، وبهذا تكون ثلاث سنوات ونصف 1260 يوما، كما أن اليوم يتحول إلى سنة، فتصبح 1260 سنة، ونجد الرقم نفسه تكرر بشكل مباشر في نفس الرؤيا.

تكمن الإشكالية في تفسير هذه الأرقام في تحديد زمن بدايتها، فهل نعتمد على تاريخ وفاة دانيال 453 ق. م، أم بداية السبي 606 ق.م، أم نهايته التي كانت سنة 536 ق.م حيث استمر 70 عاما. بعضهم لا يعتبر العودة من السبي تاريخا ذات أهمية خاصة أن اليهود لم يعودوا جميعا، ففي عام 518 ق.م قاموا بمحاولة بناء الهيكل إلا أن الفلسطينيين في تلك المنطقة قد تقدموا بشكوى للملك الفارسي بوقف البناء وخاصة المباني الدفاعية منها، فوافق الملك الفارسي على طلبهم، لكن التاريخ الأهم جاء عام 457 ق.م عندما عاد [عزرا ]من بابل ومعه 1754 من الرجال وهي الدفعة الثالثة التي تعود من السبي، فوصل القدس ككاهن وله سفر يحمل اسمه، وبدعم من ملك فارس [ارتحشستا] (465-435 ق.م] فقد منحه نفائس من بابل، ومنحه ما يحتاج لبناء بيت الرب. ولذلك يعتبر التاريخ الذي عاد به [عزرا] إلى القدس وبناء الهيكل مرة أخرى هو تاريخ مفصلي بالنسبة لليهود.

قيام "إسرائيل"

لقد عادوا مرة أخرى للأرض المقدسة، ولكن تحت تهديد ووعيد ، كما جاء في سفر [اللاوين] :26 18-29] والتي يؤكد فيها مضاعفة العذاب سبعة أضعاف يذكرها أربع مرات، إذا عادوا للكفر ولم يسمعوا كلام الله " وان كنتم مع ذلك لا تسمعون لي ازيد على تأديبكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. 19 فأحطم فخار عزكم وأصير سماءكم كالحديد وأرضكم كالنحاس. 20 فتفرغ باطلا قوتكم وأرضكم لا تعطي غلتها وأشجار الأرض لا تعطي أثمارها21، وإن سلكتم معي بالخلاف ولم تشاؤوا أن تسمعوا لي أزيد عليكم ضربات سبعة أضعاف حسب خطاياكم. 22 اطلق عليكم وحوش البرية فتعدمكم الأولاد وتقرض بهائمكم، وتقللكم، فتوحش طرقكم23  ، وإن لم تتأدبوا مني بذلك بل سلكتم معي بالخلاف 24 فإني أنا أسلك معكم بالخلاف وأضربكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. 25 أجلب عليكم سيفا ينتقم نقمة الميثاق فتجتمعون إلى مدنكم وأرسل في وسطكم الوبا فتدفعون بيد العدو. 26 بكسري لكم عصا الخبز تخبز عشر نساء خبزكم في تنور واحد ويرددن خبزكم بالوزن فتأكلون ولا تشبعون 27 وإن كنتم بذلك لا تسمعون لي بل سلكتم معي بالخلاف 28 فأنا أسلك معكم بالخلاف ساخطا وأؤدبكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. 29 فتأكلون لحم بنيكم، ولحم بناتكم تأكلون".

وكالعادة لم يلتزموا وفعلوا الموبقات فتم منعهم من إقامة مملكته لحين نفاذ الأضعاف السبعة والتي كما سبق أن ذكرنا أنها تكررت أربع مرات، أي 7*7*7*7=2401

فإذا طرحنا منها تاريخ بناء الهيكل عند عودة [عزرا] عام 457 فستكون النتيجة كالتالي

2401-457= 1944 وهو التاريخ الذي سيسمح لليهود بإقامة دولة لهم في الأرض المقدسة، لكن يبدو أن هناك خطأ ما،  ذلك أن الدولة قامت فعلا ولكن عام 1948، أي بفارق 4 سنوات.

وبعد البحث والتدقيق وجدنا ان التقويم الشمسي  كان سائدا في القرن السادس عشر حيث كان يعتبر أن السنة مُقسمة إلى 365 يوماً، في حين أن السنة تتألف في الواقع من 365.25 يوماً (365 يوماً، و5 ساعات، و49 دقيقة)، ولذلك كان التقويم القديم يختلف عن الواقع بمقدار ربع يوم كل سنة، أو يوم كامل كل أربع سنوات، أو 25 يوماً كل 100 سنة.

سبب المشكلة تكمن في أن تاريخ بداية التقويم الميلادي الذي حدده الراهب اللاهوتي [ديونيسيوس] الذي عاش في القرن السادس الميلادي أيام القياصرة جونسين وجيوشينان.

 ويرى كثير من علماء اللاهوت و الفلك أن هذا الراهب ارتكب خطأ حسابيا جسيما عند وضعه التقويم الميلادي في العام 532 وذلك باتخاذه المدة الفيكتورية (28 ×19 = 532 سنة) أساسا لحسابه فسقطت منه 4 أعوام كاملة، ويستند الباحثون في ذلك إلى دائرة المعارف التاريخية (هرمسورث المجلد الثالث صفحة 1914) وعليه فالتقويم الميلادي الذي يسير عليه العالم إلى اليوم  متأخرا في الحساب 4 سنوات كاملة.

أي إن تضعيف الرقم 7 أربع مرات ، والذي يساوي 2401 إذا أضيفت إليه  4 سنوات للمجموع فإن النتيجة ستكون 1948 وهو تاريخ قيام "إسرائيل".

يجدر الإشارة أن علماء يهود قاموا بحسابها بالأيام، فكانت النتيجة ان قيامها سيكون يوم (5 ليير) عام 5708 عبري؛ أي 14/5/1948 ميلادي. ولا متسع هنا للدخول في تفاصيلها.

قلنا أعلاه تعقيبا على رؤيا دانيال أن المشكلة تكمن في تحديد بداية للأرقام، فإذا حددناها بتاريخ 14-15/5/1948 فيمكننا تحديد النهاية حسب الرؤيا، والتي تجعل قيام “إسرائيل” على مرحلتين، المرحلة الأولى وقت انتهاء العجائب وعودة الشعب المقدس من الشتات  ويشار إليها بزمن وزمانين ونصف؛ أي ثلاث سنوات ونصف والتي تشكل 1260 يوما (سنة)

وتنتهي هذه المرحلة بمرور 1290 يوما (سنة) لنجد الفارق بينهما هو:

1260-1290= 30 سنة، بعد هذا التاريخ يكون مبتدأ الأوجاع

بينما تبدأ المرحلة الثانية والأخيرة وتستمر 45 سنة او حتى سقوط الدولة

1335-1290= 45 سنة، تنتهي بما تسميه التورة بالضيق العظيم

اذا جمعنا النتيجتين( 30+45= 75 سنة عمر دولة “إسرائيل”)

وحيث إنها أنشئت عام 1948+75 سنة= 2023 أي رجسة الخراب

لكن “إسرائيل” لم تنشأ عمليا في 1/1/1948 ولكن بعد مرور 5 أشهر و15 يوما من ذلك التاريخ، فإذا طرحنا  خمسة شهور ونصف من عام 2023 فإن نهاية “إسرائيل” ستكون في 15/6/2022

وصف زوال اسرائيل

ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً" [دانيال 12: 11[

ويصف المسيح -عليه السلام- في سفر [متى]، وهو جالس على جبل الزيتون أن عودته الثانية إلى الأرض يسبقها علامات ومنها بدء الضيق العظيم ورجسة الخراب؛ أي سقوط إسرائيل فيقول [مت: 24] "أنه تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ. 8وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9... ثم يكمل فيقول في العدد 15، فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ ­ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ ­ 16فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 17وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 18وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. 19وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ! 20وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ، 21لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. [متى 24: 8و 15 و 21].

وهذا [لوقا] في سفره يؤكد ما ورد في [متى] "وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض وسخط على هذا الشعب. ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم. وتكون أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم" [لوقا 21: 23].

ولنا أن نقرأ ما سجله يوحنا في سفر الرؤيا "ثم أعطيت قصبة شبه عصا ووقف الملاك قائلاً لي قم وقس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه. وأما الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجاً ولا تقسها لأنها قد أعطيت للأمم وسيدوسون المدينة المقدسة اثنين وأربعين شهراً" [رؤيا 11: 1 و 2].

42 شهرا مضروبا في 30 يوم = 1260

"وفي ذلك الوقت ينجي شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر" [دانيال 12: 1].

وعلينا أن نلاحظ هنا أن النجاة لأناس من شعب دانيال، "الشعب القديم" "شعب “إسرائيل”" وأن الذين سينجون "كل من يوجد مكتوب في السفر"، وهم جزء قليل جدا من الشعب وليس كل الشعب الذي يقع عليه غضب الرب، فالنجاة من عذابات الضيقة، ومن الوحش، ومن الموت ليست لكل اليهود بغير استثناء بل هي لفئة خاصة حددت بالكلمات "كل من يوجد مكتوباً في السفر".

"أما أنت يا دانيال فأخف الكلام واختم السفر إلى وقت النهاية. كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد" [دانيال 8: 26] وكلمة "اكتم" هي نفسها "أخف" وهذا يعني أن ورد لن يكون مفهوما للجميع، وهي آيات ستبقى (مختومة]؛ أي عصية على التفسير حتى يأتي وقتها. فالملاك يطلب من دانيال أن يخفي "الكلام"، والكلام هنا هو كل سفر دانيال، وأن يختم هذا السفر النبوي الجليل، بمعنى أن يضع عليه ختماً لحفظه من أي محاولة للتلاعب بمحتوياته. فالختم هو علامة قانونية السفر [اقرأ إرميا 32: 6 - 15]. قد يكون الختم لصيانة المحتويات إلى أن يحين وقت فكه [رؤيا 5: 1 - 5] فالمعنى قد يكون أمراً بحفظ وحراسة السفر إلى وقت النهاية، أو أن تكون محتويات السفر غير مفهومة إلى وقت النهاية كما قال دانيال: "وأنا سمعت وما فهمت. فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه. فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية" [دانيال 12: 8 و 9] والأمر الذي أعطي لدانيال يصل إلى زمن محدد هو "وقت النهاية" ويقيناً أن نبوات دانيال مع أنها تتحدث عن مصير الإمبراطوريات التي ستظهر على مسرح التاريخ خلال "أزمنة الأمم"، لكنها تتحدث بصورة خاصة عن ما يصيب الشعب القديم (اليهود( في الأيام الأخيرة، وعلينا أن ننتبه إلى حقيقة واضحة في سفر دانيال، وهي أن كل النبوات المذكورة تقودنا دائماً إلى "وقت النهاية" التي تلي الضيقة العظيمة وتنتهي بالنصر، أي انتصار للحق على الباطل.

لنشاهد الآن بعض مشاهد نهاية دويلة الاحتلال كما وصفها الكتاب المقدس، نقرأ ماذا يقول [حزقيال] في هذا "وكان إلى كلام الرب قائلاً. يا بن آدم قد صار لي بيت “إسرائيل” زغلاً كلهم نحاس وقصدير وحديد ورصاص في وسط كور. صاروا زغل فضة. لأجل ذلك هكذا قال السيد الرب. من حيث إنكم كلكم صرتم زغلاً فلذلك هأنذا أجمعكم في وسط أورشليم. جمع فضة، ونحاس، وحديد، ورصاص، وقصدير إلى وسط كور لنفخ النار عليها لسكبها كذلك أجمعكم بغضبي وسخطي وأطرحكم وأسبككم فأجمعكم وأنفخ عليكم في نار غضبي فتسكبون في وسطها. كما تسبك الفضة في وسط كور كذلك تسكبون في وسطها فتعلمون أني أنا الرب سكبت سخطي عليكم" [حزقيال 22: 17 – 22]، نلاحظ أن هناك عملية سبك للشعب حيث يجمعهم من الشتات، ويعيد صهرهم ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا]

ويأتي موعد المحاكمة النهائية، فيقول حزقيال: ''يقول السيد الرب: إني بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضب مصبوب أملك عليكم وأخرجكم من بين الشعوب وأجمعكم من الأراضي التي شُتِّتم فيها بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضبٍ مصبوب، وآتي إلى برية الشعوب وأحاكمكم هناك وجهاً لوجه كما حاكمت آباءكم في برية مصر'' [20: 33-36].

يعود  حزقائيل مرة أخرى ليصف بدقة متناهية الفترة الحالية لحكم “إسرائيل” في فلسطين وظلم شعبها فيقول '' إنكِ أرض غير مطهرة، لم تمطر في يوم الغضب. في وسطها مؤامرة أنبيائها (الدجالين] كأسد زائر مفترس فريسة قد التهموا النفوس وأخذوا المال والنفيس، وكثروا الأرامل في وسطها، كهنتها تعدَّوا على شريعتي ودنسوا أقداسي، ولم يميزوا بين المقدس والحلال، ولم يُعلِموا الفرق بين النجس والطاهر، وحجبوا عيونهم عن سبوتي، فتدنست في وسطهم، ورؤساؤها في وسطها كالذئاب المفترسة الفريسة، سافكين الدم، مهلكين النفوس، لكي يكسبوا كسباً... جاروا جوراً على شعب الأرض، واختلسوا خلسة، وظلموا البائس والمسكين، وجاروا على النـزيل بغير حق"] 22:24-29[ نعم! لقد جاروا على شعب الأرض جوراً عظيماً، واختلسوا أمنهم وراحتهم وبلادهم ومزارعهم! حزقائيل

وهاهو [حزقيال] يؤكد مرة أخرى على عودة بني اسرائيل من بين الأمم ليجتمعوا في فلسطين: ''هأنذا آخذ بني “إسرائيل” من بين الأمم التي ذهبوا إليها، وأجمعهم من كل ناحية، وآتي بهم إلى أرضهم، وأصيِّرهم أمةً واحدة في الأرض، على جبال “إسرائيل”، وملك واحد يكون ملكاً عليهم ولا يكونون أمتين ولا ينقسمون بعد إلى مملكتين''. يتحدث النص بوضوح عن عودة اليهود من كل دول العالم في دولة واحدة وليس مملكتين كما في المرة الأولى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا ] وفي نفس السفر يذكر [حزقائيل] شروطا وضعها الله –تعالى-على الدولة الحديثة، فيقول:  ''لا تنجسون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشيء من معاصيهم بل أخلِّصهم من كل مساكنهم التي فيها أخطأوا، وأطهرهم فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً، وداود عبدي يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راعٍ واحد، فيسلكون في أحكامي ويحفظون فرائضي ويعملون بها''. والإشارة هنا لداود هو اتخاذهم نجمته شعارا للدولة، ذلك أن حزقائيل جاء بعد داوود، والإشارة له هنا رمزية، فهل حفظ اليهود الوصايا والتزموا بالشروط، يجيب [صفنيا] بالنفي، فهو هنا يبشر بزوال اسرائيل بطريقة أسرع مما نتخيل، ففي سفر [صفنيا] يقول: تجمّعي تجمّعي - أيتها الأمة التي لا حياء لها قبل أن تطردوا كالعصافة العابرة في يوم واحد، قبل أن يحل بكم اضطرام غضب الرب، قبل أن يحل بكم يوم غضب الرب!''.

تحرير فلسطين ونتائج المعركة

ماذا يمكننا وصف ذلك اليوم الذي يحل به غضب الرب على “إسرائيل”؟ في سفر [زكريا] تفصيل رقمي، لنهاية هذه الدولة، وعدد قتلاها نسبة إلى عدد سكانها، إذ يجعلهم أثلاثاً: ''ثلثين منهما يُقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها، وأُدخل الثلث -الباقي- في النار وأمحّصهم كمحص الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب''. لكن هذا الثلث لا تظنوا أنه سينجو كذلك، فحزقائل يعطي نفس التقسيم، لكنه يكثف الوصف تفصيلا للثلث الأخير، فنقرأ: ''أحرق ثلثاً بالنار... وخذ ثلثاً واضرب عليهم بالسيف... وذرّ ثلثاً للريح''.
وهنا يأتي تفصيل الثلث الأخير: ''وخذ من ذلك - (أي الثلث الذي تذروه الرياح] - عدداً قليلاً وصرّه في ذيلك وخذ منه أيضاً وألقه في وسط النار وأحرقه بالنار، من هناك تخرج نار على كل بيت “إسرائيل”''. نلاحظ استخدام، ترك ثلث للريح، وكأن ذلك المصير يبقى مجهولا. لن ننتظر كثير حتى نجد [صافنيا] يعود بالخبر اليقين، فيتحدث عن بقية الثلث الأخير وهم الصفوة  التي تنجو، فيقول فيهم: وأبقي في وسطك -(يعني: “إسرائيل”]- شعباً وضيعاً فقيراً، فتعتصم باسم الرب بقية “إسرائيل” لا يرتكبون الظلم، ولا ينطقون بالكذب، ولا يوجد في أفواههم لسان مكر؛ لأنهم سيرعون ويربضون ولا أحد يفزعهم''. ويبقى السؤال كم عدد الناجين منهم؟، يحصرهم بنسبة أقل من العشر، فإذا تجاوز عددهم اكثر من ذلك هلكوا أيضا.

 ويؤكد على ذلك [أشعياء] بالقول: ''تصير المدن خراباً بغير ساكن، والبيوت بغير إنسان... وإن بقي فيها العشر من بعد فإنها تعود وتصير إلى الدمار، ولكن كالبطمة والبلوطة التي بعد قطع أغصانها يبقى جذع؛ فيكون جذعها زرعاً مقدساً''. لكم أن تتخيلوا وصف المدن والمغتصبات الإسرائيلية القائمة اليوم، وكيف يكون حالها في ذلك اليوم المنتظر.

ولكن لماذا يبقي الله على هذه الجذع؟ يقول سِفر حزقيال: ''لكن أبقي بقية ليكون لكم مفلتون من السيف بين الأمم، إذ تُذَرُّون في البلدان فيذكرني مفلتوكم بين الأمم التي يسبون إليها، إذ أسحق قلوبهم الزانية التي حادت عني وعيونهم التي زنت في السير وراء قذارات''.

يقول سِفر] حزقيال( : ''لكن أبقي بقية ليكون لكم مفلتون من السيف بين الأمم، إذ تُذَرُّون في البلدان فيذكرني مفلتوكم بين الأمم التي يسبون إليها، إذ أسحق قلوبهم الزانية التي حادت عني وعيونهم التي زنت في السير وراء قذارات''.

ولكن هنا سوف تتساءلون عن مصير شعب فلسطين من المظلومين فيقول لهم الله: ''التمسوا الرب يا بائسي- الرب الذين نفذوا حكمه، التمسوا البر، التمسوا الضعة، فعسى أن تستتروا في يوم غضب الرب'' [2: 1-3]

ويصف[ أشعياء] المشهد بعد ذكر الحريق الهائل الذي يسلطه الله عليهم: ''وفي ذلك اليوم لا تعود بقية “إسرائيل” والناجون من بيت يعقوب يعتمدون على من ضربهم، وإنما يعتمدون على الرب قدوس “إسرائيل” حقاً والبقية ترجع -بقية يعقوب- إلى الله الجبار، إنه وإن كان شعبك يا “إسرائيل” كرمل البحر إنما ترجع بقية منه''. فالناجون  منهم يعودوا الى الله ويسلموا حتى أؤلئك اليهود خارج فلسطين يهزهم الله كالغربال، فهم كاذبون وليسوا من ورثة ابراهيم بل خزر وغربيين.

ملكية فلسطين وورثة إبراهيم عليه السلام

 انظر الى التشابه مع القرآن في قول حزقائيل عن ميراث الأرض ومن هو أحق بإبراهيم عليه السلام: ''وكانت إليَّ كلمة الرب قائلاً: يا بن الإنسان إن سكان تلك الأخربة في أرض “إسرائيل” يتكلمون قائلين: كان إبراهيم وحده وورث الأرض، ونحن كثيرون، فقد أعطينا الأرض ميراثاً، لذلك قل لهم: هكذا قال السيد الرب: إنكم تأكلون بدم، وترفعون عيونكم إلى قذاراتكم وتسفكون الدم أفترثون الأرض؟ إنكم اعتمدتم على سيوفكم وصنعتم القبيحة (وفي الترجمة الأخرى: وفعلتم الرجس] ونجستم كلّ رجلٍ امرأةَ قريبه أفترثون الأرض؟''. مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67] إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68]  وتكمل الآيات في وصفهم بالكذب والنفاق وعبادة غير الله، تماما يتفق النص التوراتي هنا مع النص القرآني في قضية مفصلية تتعلق بميراث الأرض والملكية والحكم كذلك،  (أفترثون الأرض؟؟] بعد كل هذا الاجرام، بحجة أنكم ورثة ابراهيم،  السؤال هنا استنكاري والإجابة عنه بالطبع لا، فهذه الأرض ملك لهذا النبي العربي والمؤمنين. بل التوراة تنفي نسبهم إلى إبراهيم -عليه السلام- وهو عماد دعوى الميراث المزعوم، كما أن حزقائيل يقول : ''يا بن الإنسان: أخبر أورشليم بقبائحها، - وفي ترجمة مغايرة: عرّف أورشليم برجاستها - وقل:" هكذا قال السيد الرب لأورشليم: أصلك ومولدك من أرض الكنعانيين وأبوك أموري وأمك حثية''. فهو يؤكد هنا هوية المدينة الكنعانية العربية، وأن ادعاء اليهود بملكيتها باطل، فالمدينة أبوها أموري وأمها حثية وكلاهما شعوب عربية كانوا أول من سكن القدس، وهي بنص التوراة مدينة عربية أصيلة لا علاقة لليهود ولا حق لهم فيها مهما زوروا من اسماء، وبنوا من مستوطنات.

إن الذي شيدوه كله كذب         ما لليهود بدار أهلها عرب

ونختم بالقول الفصل، ومن أصدق من الله قولا:

"فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا" [الإسراء: 7] صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين.