الوطن وربيع الحلم



على بعد قبلتين من الشوق، كانت تنتظر... يداعب جديلتها نسيم حمل من البحر حنين ومن النجوم أماني وأمل، وعلى ضفتي عينها حطت كرات كبيرة من الدمع، كمرساة قارب صيد كبير في انتظار الهدوء الذي غالبا ما يسبق العاصفة أو يليها
قالت: كأن الغربة لم تأكل من لحم أكتافك شيئاً، أنت كما أنت، وأنت تعبر النهر آخر مرة، ظل حزيرانك مغلف بالحنين.

هل تذكر...!! كنا صغيرين ، هل حقا صغيرين كنا!! كنا نطارد الفراش تحت ضوء الشارع اليتم، عند تساقط المطر- لم يكن ذلك ممنوعا في تلك الأيام- كنا نبذر الحب على مساحات يغطيها قمر أهديته لي، كنت تزمجر إذا هممت بالرحيل، وتدير ظهرك منتعلا كبرياءك وبعض ألم، وكان كعادة زهر الأقحوان يخدعنا ونحن نوليه تقرير المصير، بتحبني..ما بتحبني، بتحبني ونرمي مع كل كلمة بتلة بيضاء من حواشيه، بتحبني...!! ثم أغفو في فنجان قهوتك وأطير على متن غيمات دخان سيجارتك، وانت تنفثها حلقات حلقات.

أتذكر؟؟ هل ما زلت قادرا على استحضار تلك الصور!! حلفت بعيوني الغاليات، بأنك ستعود، ها قد عدت، وقد فقدنا الوطن ولون العيون

الوطن...!! هل تربة وحجارة؟ أم يعني الأنسان!!، وأحلام المراهقين وحقهم في قبلة ساذجة، تحبو على شفاه يافعة لم تتجاوز حد الرمان، وتموت قبل الوصول دون ادراك معنى الحب المبني للمجهول..

الوطن يا عزيزتي: حق طالب فاشل في الكتابة على حيطان حارتهم ما شاء، وله أن يخطئ في الإملاء، من حق الحروف ان تخرج للفضاء دون نقاب، وله أن يدخل حقول الألغام ويقول كلمات في غير مكانها "اللائق" مبتورة الحروف ولا يتهم بالإرهاب.

ثم قال: الوطن يا غاليتي، يعني ممارس الفكر دون الاستخدام المفرط للواقي في فرج العقل الفلسطيني...
الوطن :ان تعشق دون مساحيق ثورية او دينية..

الوطن ليس وصفة تشتريها من سوق العطارين..او من صيدلية اخر الشارع...وليس كيس طحين تحمله من باب الوكالة او قطعة حلو على رفوف الدكاكين الحزبية. .

انه البيت ، سألوني ألف سؤال وليلة يا ليلى: ما الذي أتى بكً!
من يخرج ويعود بمحض إرادة النوارس!؟
أنه حقّي في العودة، حقّي في الحزن.. في اليأس، في الرقص.. رقصة النار،
حقّي أن أمارس جنوني في عذوبة اسمك، حسًك وربما جسمك...!!

حقّي أن أغفو ظهيرة جمعة، بعد أن أملئ بطني بالمقلوبة، وأن أراك بنومي، اداعب شعرك، أو أطبع على جبينك قبلة، أن افقيء حب الشباب على وجنتيك، هو حقّي أن أصحو متى شئت منتشيا بربيع الحلم الفلسطيني .
.
ليلى...أذا جن الليل، وسمعت عواءً خلف الباب، او أنيابا تحاول أن تخدش حياء الرصيف، لا تخافي ولا تجزعي، واعلمي أني غادرت الوطن المثقوب كبئر خانه الرعاة. شربوا حتى ارتووا، وألقوا به حجرا بحجم جريمتهم.

، كذاب من يخشى الله في حفظ الخبز، ولا يخشاه في شتاء رام الله لطفل يبيع العلكة حافيا على دوار المنارة،
دجال الف دجًال من يخشى الله في شبشب مقلوب بالخطأ الفطري ولا يخشاه في عيون تعري أجساد العابرات في شارع ركب.
زنديق ...من يزاحم للصف الأول أيام الجمعة ويقتل باسم الله في النصيرات

نقش


ألم وحرقة...قال العارف في كنه حمرة اصابت عيونها، نقش امرأة كنعانية الطلعة على مسطبة بئر إلى الجنوب من الزاوية، وبقايا دولاب هوائي بدا وكأنه تشكل من كيمياء خارج جدول المادة المعروف، لن يستطيع أحد أن يخضعه للمعادلات المتعلقة بالتفاعل المخبري، ولا للتكوينات التي تغلف المكان المشبع بالضجيج. 

عندما حاول تفحص عيونها، لم تحرك ساكنا، ولم يرف لها جفن، ظلت تحملق في فوهة البئر بعينين خشبيتين، لحظتها توقف الزمان، او كأنما عادت الأرض بكرا، مراهقة غضة،شابة لم تتيبس روحها، لا المعنى اسعفه عندها ولا المادة نفسها.

 هي.. كما هي، دافعت عن تفاعل المادة التي تحملها بدواخلها، قالت كلمات تهشمت حروفها مثل توابيت الكلام، اشاحت بوجهها قليلا وهي تحاول الهروب نحو طبيعة تنتفض مثلها،فما زالت تستشعر الندى على ورق التين المرقط بالحليب وتجتاحها شهوة الثمرة المحرمة ممزوجة ببعض قلق وارتباك، تمتمت بشفتين مرتجفتين واشارات ممزوجة بما يشبه لحنا خرافي المقام، لم تستطع ضبط ايقاعه، لامست أصابعها في لحظة مظلمة، مغاليقها حالت دون فك المعادلة، غير أنها كانت تخبو كجذوة في آخر الموقد واختفى صوتها.