الحجر المنزلي، بين الشائعة والسخرية


طارق موقدي
في الأيام التي خلت الوباء الذي اجتاح الكوكب، نظر البعض إلى مواقع التواصل الاجتماعي على أنها وسائل للتباعد الاجتماعي، فأفراد العائلة الواحدة وإن كانوا يعيشون في نفس البيت، إلا أن كل منهم كان يعيش عالمه الخاص، منغمسا في شاشة هاتفه النقال، دون النظر أو التفاعل مع من حوله، حتى أن نصائح للتندر قد ظهرت إحداها تقول: إذا أردت أن تجمع أفراد العائلة فما عليك إلا أن تقطع الإنترنت لدقائق معدودة، ستجد الكل يخرج من غرفته ليرى ماذا حدث!!
يمكن أن يكون البحث عن المعلومات في مواجهة الخطر سلوكًا تكيفيًا. يتيح لنا اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الحفاظ على سلامتنا ، مثل البحث عن طرق الهروب المحتملة عندما نواجه تهديدًا. لقد أظهر التاريخ أنه خلال كارثة مثل هذه ، مشاهدة التلفزيون، عادة ما ينفجر ، حيث يستخدمه المستهلكون ليس فقط للبقاء على اطلاع ، ولكن أيضًا لتمضية الوقت. في الأسابيع الأخيرة، وسائل الإعلام، لاحظت الشركات زيادة في استخدام بيانات الألعاب و  إجمالي استخدام التلفزيون و 6 واستخدام الوسائط الاجتماعية، زيادة حادة بنسبة 20٪ في عدد زيارات الويب بين و 15-17 مارس 2020 يندرج في هذه الزيادة الأشخاص الذين يفحصون وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحيان لمواكبة المعلومات الحالية. وفقًا لمسح مؤشر الويب العالمي ، قام ما يقرب من ربع مستخدمي فيسبوك وتويتر على مستوى العالم بزيادة استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي هذه على مدار الأسابيع القليلة الماضية.
من المرجح أن تؤدي أوامر الحجر الصحي إلى زيادة استهلاك الوسائط الرقمية في جميع المجالات ، حيث يقضي الأشخاص وقتًا أطول في المنزل ووقتًا أقل في التواصل وجهاً لوجه.
فقبل الجائحة، كان الكثيرون يعيشون في نفس البيت، لكن التواصل بينهم كان ضئيلا جدا، ومع الحجر المنزلي، بدأ الأزواج في مشاركة زوجاتهم بعض الأعمال المنزلية، ومع القليل من التدريب انخرطوا في التنظيف والطبخ وغيرها، وأصبحوا على اطلاع أكثر على كل ما يحصل في البيت، عن حاجاته المنزلية، ورعاية الأطفال والصبر على صراعاتهم وضوضائهم. ونتيجة لذلك، ربما نستطيع القول أن الحجر المنزلي أصبح فرصة نادرة في عالم اليوم ليتعرف أفراد العائلة على بعضهم البعض، فيختبر صبرهم ويضع كل منهم عند مسؤولياته.
مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي في العقد الأخير من القرن الحالي، قفزت البشرية قفزة نوعية في تناقل المعلومات بين الأفراد والمجتمعات، وكان لها كبير الأثر في فتح المجال للمواطن العادي ليعبر عن ذاته، فأصبح مصورا وصحفيا وطبيبا ومسؤول في كل شيء، وذلك من خلال صفحته الشخصية التي يقوم بإنشائها بشكل مجاني عبر منصات التواصل الاجتماعي المتعددة، لكنها كأغلب الأشياء لها ايجابيات وسلبيات، والشائعات بالصوت والصورة  إحدى أخطر سلبياتها. فيقع الكثير من المواطنين في فخ الشائعة وترويجها دون التأكد منها، وبالتالي تحدث بلبلة في الرأي العام المحلي، وتجلى ذلك ً في أزمة فيروس كورونا وتناقل معلومات من مصادر مجهولة المصدر، مما أثار الخوف والقلق في الرأي العام.
فما أن انتشر خبر وجود فيروس يسمى كورونا، حتى انتشرت الشائعات حوله، وانقسم الناس بين مصدق ومكذب، وبين من ضخم الحدث ومن استهان به، ولم يقتصر ذلك على العامة فحسب، بل تعداه إلى الخاصة، حتى وصل الأمر بالرئيس الأمريكي بالقول "ان الأمر لا يتعدى كونه إنفلوينزا عادية (الرشح)"، فيما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأشخاص وقعوا في الشارع، وطفت نظرية المؤامرة على سطح الأحداث، ومع سرعة انتشار الفيروس انتشرت بنفس السرعة الشائعات خاصة عندما بدأت تظهر إصابات في دول خارج الصين، وقد لوحظ أن لكل مرحلة من مراحل تفشي المرض ظهرت نوعية جديدة من الشائعات المرافقة للحالة. فظهر في  أواخر شهر شباط "فبراير" الماضي الكثير من المشعوذين ممن ادعوا أنهم توصلهم لعلاج يقضي على الفيروس، وبرز بعض رجال الدين من كافة الأديان كذلك بادعاءات كاذبة، فهذا كبير الحاخامات يدعي أن الفيروس لا يصيب اليهود، ومثله من ادعى أن المسلمين محصنين بالوضوء من الفيروس، بينما ظهر قس أمريكي شهير يقيم صلوات فيقتل بها كورونا اللعين، ويخرجه من أمريكا.
لقد بدأنا نشهد زيادة في المكالمات والاستفسارات بسبب الوباء.  من الواضح أن هذه الأزمة تؤثر بالفعل على صحتنا النفسية والاجتماعية.
أما على المستوى الفلسطيني فقد كان الرد المبكر لإعلان الحكومة الفلسطينية حول فرض عقوبات قانونية بحق مروجي الشائعات كبير الأثر في محاربتها، وخروج الناطق باسم الحكومة في إيجاز صحفي صباحي وآخر مسائي حد كثيرا من الشائعات، خاصة لما يتمتع به الدكتور إبراهيم ملحم من كاريزما وأسلوب متميز.
فكان قرار المعلومة الواحدة من مصدر واحد قد لعب دورا إيجابيا في خلق حالة من الوضوح والتعبير عن تجانس ومشاركة مجتمعية في الهم الفلسطيني الموحد للانتصار على الوباء، مما عزز ارتفاع شعبية حكومة الدكتور محمد شتية كمصدر موثوق في ظل هذه الأزمة.
وقد أدت كل هذه الوسائل والتقنيات، إلى تراكم كمية ضخمة من المعلومات حول الوباء لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري، وأصبحت كلها متاحة بلمسة زر على لوحة المفاتيح أو بنقرة واحدة بالماوس. ومع ذلك، على الرغم من أن معظم هذه المعلومات واقعية ومفيدة، إلا أن بعضها قد يكون غير صحيح أو حتى ضار من الناحية النفسية، تم إطلاق اسم كوفيد -19 ولكن عملية وصفه مرارا وتكرارا باسم "الفيروس القاتل"، ربما يضاعف الشعور بالخطر الناجم عن المرض الذي يسببه، مما يخفض مستوى المناعة عند أفراد المجتمع، فيصبحوا أكثر عرض للإصابة بالفيروس، وفي نفس الوقت، فإن وصف الفيروس بأنه أحد أشكال الإنفلونزا، ومحاولة التقليل من العواقب الوخيمة لهذا الفيروس، وتشجيع الناس على عدم الانصياع للبروتوكولات  المتبعة عالميا، كلبس الكمامات والقفازات والتباعد الاجتماعي، فهو كذلك خطأ كبير وقع فيه البعض، إن المسؤولين عن صناعة المحتوى الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي يأخذون بعين الاعتبار طريقة عمل هذه الوسائل من خلال خوارزميات تسلط الضوء عادةً على المحتوى الذي يجذب أكبر قدر من التفاعل، وهذا لا يعود لدقة المعلومات التي يتضمنها المحتوى، لأن الروبوتات العاملة في هذه المواقع تولي اهتماما بالشعبية والتفاعلية على حساب الدقة، وبالتالي فمواقع التواصل الاجتماعي مسؤولًة جزئيًا عن انتشار المعلومات الخاطئة على الإنترنت، فهي لا تتشكل فقط من خلال ردود أفعالنا واهتماماتنا البشرية ، بل إنها بدورها تقوم  بتشكيل أفكارنا الفردية أيضًا، ذلك أن آخرين قد يلقون باللوم على رواد هذه المواقع  أنفسهم، لأن آفة الأخبار هم رواتها(أي المستخدمون لهذه الوسائل) ، ولذلك نستطيع القول أن جمهور وسائل التواصل الاجتماعي يتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية فيما يجري الحديث عنه من جوانب سلبية، أبرزها استخدام تلك الوسائل خلال الأزمة، من نشر أخبار مفبركة، إلى نشر شائعات، إلى السعي لبث الخوف والذعر في نفوس الناس، الذين وضعتهم الأزمة في حالة من القلق والذعر والهلع الجماعي، مما دفعهم للتشبث بأية معلومة ربما تكون في أساسها غير صحيحة، ومع هذا وذاك، وفي خطوة فريدة أصدرت شركات التكنولوجيا بياناً مشتركاً حول جهودها المتضافرة لمعالجة نشر المعلومات الخاطئة في أثناء أزمة فيروس كورونا. فنشر كل من "فيسبوك" و "تويتر"  بالإضافة إلى "غوغل" و"مايكروسوفت" و"يوتيوب" ومواقع ذات صلة، بياناً في 17 مارس الماضي، يقول إن تلك الشركات "تعمل جميعاً بشكل وثيق لتعزيز جهود مكافحة المعلومات الخاطئة حول فيروس كورونا.
وكان قد أعلن في وقت سابق عملاق التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن توفير مساحة مجانية لمنظمة الصحة العالمية، في سبيل المساعدة في مكافحة فيروس كورونا والحد من الخوف والقلق الذي ينتاب البشرية جمعاء.
إن محاربة الشائعة هي جزء لا يتجزأ من الحرب التي لم تحط أوزارها بعد، فالفيروس يتابع الفتك ببني البشر، والذين لم يستسلموا حتى اللحظة، بل يتابعون القتال في عدة جبهات، ولا شك أنهم سجلوا عليه عدة انتصارات في عدة مناطق من العالم، وهناك من العلماء والمختصين من يصلون الليل بالنهار في مختبرات البحث عن علاج وربما لقاح ينقذ البشرية، وإن كان ذلك ليس في المدى القريب، نظرا للمراحل المتعددة من التجار السريرية التي يجب أن يمر بها أي دواء جديد حتى يتم اعتماده. وإلى ذلك الحين، فما علينا إلا الصبر والتزام التعليمات الاحترازية والوقائية، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بردودكم