أمريكا ..الـزانيـة العـظيمـة



بقلم: طارق موقدي
تنبأ عالم الاجتماع النرويجي "يوهان غالتونغ" المختص بدراسات حل الصراع والسلام بانحسار دور الولايات المتحدة كقوة عالمية خلال فترة تولي "دونالد ترامب" الرئاسة، فقد توقع عام 2000 انهيار ما وصفه "بالإمبراطورية الأمريكية" قبل عام 2025، قبل أن يعود ويعدل ما توقعه عندما فاز جورج بوش الابن برئاسة الولايات المتحدة ، ليكون عام 2020..
وفي الحديث من صحيح  البخاري "بلغوا عنى ولو آية, وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج" وعلى هذا نقول متوكلين على الله- تعالى- في البحث من كتب بني اسرائيل، فلا نصدقهم ولا نكذبهم، إلا بدليل التصديق كدليل من شريعتنا أو بتكذيبهم فيما خالف عقيدتنا.
هناك من تحدث عن إشارات مذكورة في القرآن الكريم  والسنة الشريفة  حول أمريكا  وعظمتها ثم هلاكها ومنها الآية في قوله  تعالى :" وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى]" النجم:50 [واستدل من لفظة (الأولى) على أنه دليل عل وجود (ثانية) وبنفس المواصفات وأن أمريكا هي عاد الثانية التي أشار إليها القرآن عندما تحدث عن عاد الأولى .. وقد أوردوا الكثير من التطابق بين عاد والولايات المتحدة الأمريكية،  كما في قوله تعالى في سورة الفجر "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍإِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ" وهذا تتطابق كبير وتشابه في ارتفاع بنيانها وعظمتها التي لم تصل اليها أي امبراطورية في العالم، وأنها القوة الوحيدة على الإطلاق في  أيامنا هذه، كما أن هلاك عاد الأولى بالصيحة، قد يكون عذاب أمريكا (عاد الثانية) بنفس الطريقة.  
أعتقد أن لتفسير القرآن الكريم رجاله الثقات، من العلماء والمجتهدين، وأنا أخاف بصراحة مجرد الاقتراب من هذه الحلبة فهي ليست لي وأخشى أن أقف ما ليس به علم، فأظلم نفسي قبل أن أظلم الآخرين،  وإنما أبحث في  التوراة والإنجيل ما يمكن أن نستأنس به  من قول، فإن وافق عقيدتنا أخذنا به وإلا  تركناه.
 تحدث الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل) كثيرا عن أمور مستقبلية وأحداث عظام سنأتي عليها لاحقا، ومنها ما جاء على شكل عظات ومواعظ، وأخرى ما كان  على شكل رؤى للأنبياء، ومن أهم ما جاء في ذلك ورد في سفر "دانيال" ورؤيا نبوخذ نصر المشهورة، وما ورد في أسفار أخرى كسفر (حزقيال، وأشعيا، وأرميا) وأهمها سفر الرؤيا  الذي يتحدث عن ظهور قوة عظمى في آخر الزمان، وعن عذاب شديد يصيبها لبطشها وكفرها، ويطلق عليها الكتاب لقب الزانية العظيمة:
"سيبكي عليها ملوك الأرض الذين زنوا بها وتنعموا معها، وينوحون حين يشاهدون دخان لهيبها، ويقفون على بعد منها خوفاً من عذابها وهم يقولون : الويل، الويل، أيتها المدينة العظيمة بابل المدينة الجبارة، وسيبكي عليها تجار الأرض" [ الرؤيا الإصحاح الثامن عشر[
 ونقرأ أيضا في الإصحاح التاسع عشر من نفس السفر "وسمعت بعد ذلك صوتاً عظيماً كأنه صوت جمهور كبير في السماء يقول : هللوا لإلهنا ، الخلاص والمجد والقوة ، أحكامه حق وعدل وإن الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بدعارتها انتقم منها لدم عباده وقالوا ثانية : هللوا ! دخانها يتصاعد أبد الدهور" [1]
أمريكا الإسبانية (أصل التسمية)
رغم أن  المكتشف الإيطالي "أميركو فيسبوتشى" هو أول من أكتشف أمريكا وله تدين باسمها، إلا أن المشهور بين الناس أن مكتشف ما يسمى بالأميركتين اليوم ومن ضمنها الولايات المتحدة، هو الإسباني  "كريستوفر كولمبوس" رغم أنه ولد في (جينوا)  الإيطالية والتي كانت في ذلك الوقت جزءا من إسبانيا، وقبل أن تتدخل بريطانيا كانت أقصى الأرض أو الأرض الجديدة تعرف بداية بالجزر أو القرى الإسبانية، ومن الجدير ذكره أن أقدم أسماء إسبانيا اليوم ظهر في التوراة في عهد سليمان _عليه السلام_، حيث كانت السفن تحتاج إلى قرابة ثلاث سنوات للذهاب إليها والعودة من (ترشيش) محملة بالذهب والفضة، وأقرب الأسماء إليها اليوم هي المدينة الإسبانية الساحلية ترتيوس الواقعة في جنوب إسبانيا على مقربة من جبل طارق.
ولهذا نجد الرؤيا تذكر كثيرا من الدول بأسمائها القديمة المعروفة في التاريخ، ومنها بالطبع ترشيش، وتضيف على ذلك (ترشيش وأشبالها)؛ أي تلك الدول التي ولدت من رحمها وهي الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية. ففي سفر "حزقيال "38: 13 شَبَا وَدَدَانُ وَتُجَّارُ تَرْشِيشَ وَكُلُّ أَشْبَالِهَا يَقُولُونَ لَكَ: هَلْ لِسَلْبِ سَلْبٍ أَنْتَ جَاءٍ؟ هَلْ لِغُنْمِ غَنِيمَةٍ جَمَعْتَ جَمَاعَتَكَ، لِحَمْلِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ، لأَخْذِ الْمَاشِيَةِ وَالْقُنْيَةِ، لِنَهْبِ نَهْبٍ عَظِيمٍ؟ ]حز: 38: 13[
لكن هناك تركيز في رؤيا يوحنا اللاهوتي على الولايات المتحدة كقوة عظمى، فلنقرأ معا النص
:
"ويل! ويل! المدينة العظيمة المتسربلة ببز وأرجوان وقرمز، والمتحلية بذهب وحجر كريم ولؤلؤ، لأنه في ساعة واحدة خرب غنى مثل هذا".
.لقد وجدت أن أحدهم من يرى في ذلك إشارة مشفرة تدل على علم هذه الأمة، فيقول: إن "البز"  أقمشة الحرير، أما  الأرجوان والقرمز فتشير إلى اللون الأحمر، وهذا التسربل في اللونين يشير إلى الخطوط الحمراء، والبيضاء في العلم الأمريكي الذي عادة ما يصنع من قماش حريري، كما أن ذكر الذهب والحجارة الكريمة واللؤلؤ اللامع هو إشارة للنجوم الكثيرة في ذاك العلم.
نترك ذلك لرأي القارئ الكريم، فالرؤى تحتمل التأويل، والنصوص المبهمة كهذه، قد تجد لها تفسيرات مختلفة،  ولكني أوردها هنا للأمانة العلمية، ولا يعني أنني اتبناها  أو أرفضها، بل هي كذلك كأفكاري نفسها وتفسيراتي  اللاحقة في هذا البحث، أوكد هنا أنها تحتمل الخطأ، فأقدمها على الصواب، وما هو إلا اجتهاد مني لا أفرضه على أحد.
الحرب على العراق (عاصفة الصحراء)
في سفر ارميا (50: 35) نقرأ "سيف على الكلدانيين يقول الرب وعلى سكان بابل وعلى رؤسائها وعلى حكمائه" سيكون هناك هجوم على العراق، يستهدف السكان، لكنه يستهدف أكثر القيادة والحكماء، لكن من يشن هذه الحرب؟ يأتي الجواب في نفس السفر مباشرة:
(
50: 41) "هو ذا شعب مقبل من الشمال وأمة عظيمة ويوقظ ملوك كثيرون من اقاصي الارض". إنها قوة عظمى تأتي من أقاصي الأرض وليست وحيدة، تشاركها دول  كثيرة، لقد جاءت الولايات المتحدة (من أقاصي الأرض) ومعها تحالف دولي وصل عدده إلى 38 دولة، وهدف الحرب قتل الرئيس صدام حسين_رحمه الله _ واغتيال علماء العراق، بالإضافة إلى قتل أكثر من مليون وثلاثمائة ألف عراقي، وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين مواطن في حرب حملت اسم (عاصفة الصحراء) هكذا قال الرب هأنذا اوقظ على بابل و على الساكنين في وسط القائمين علي "ريحا مهلكة". (51: 1)
النسر الأمريكي وحماية إسرائيل:
نعود إلى سفر الرؤيا، الإصحاح الثالث عشر
12: 13  ولما رأى التنين أنه طرح إلى الأرض اضطهد المرأة التي ولدت الابن الذكر 
12: 14  فأعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية إلى موضعها حيث تعال زمانا وزمانين ونصف زمان من وجه الحية .
المرأة الوحيدة التي ولدت الذكر من غير أب هي مريم العذراء _عليها السلام_، وهي من بني إسرائيل الذين اضطهدوا في أوروبا المسيحية، وخاصة في ألمانيا على يد النازية، والتي تم حمايتها بعد هذا الاضطهاد بواسطة (جناحي النسر العظيم) وهو شعار الولايات المتحدة الأمريكية، وحمايتها المعروفة لليهود ودعمهم عسكريا وماديا منذ نشوء كيانهم الغاصب وحتى اللحظة.
أما الفترة الزمنية (زمانا، وزمانين، ونصف زمان) فهي ثلاث سنوات ونصف؛ أي اثنان وأربعون شهرا كما في دانيال؛ أي 1260 يوما، أو 1260 سنة بلغة اليوم (تم الإشارة إليها في بحث سابق بعنوان:  نتنياهو آخر ملوك إسرائيل).
أمريكا.. بين سفر الرؤيا وسفر دانيال:
في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي:  نجد النص يصف قوة الوحش الكبير فيقول: "ثم وقفت على رمل البحر، فرأيت وحشاً طالعاً من البحر لـه سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى قرونه عشرة تيجان، وعلى رؤوسه اسم تجديف، والوحش الذي رأيته كان شبه نمر، وقوائمه كقوائم دب، وفمه كفم أسد، وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً، ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المميت قد شفي، وتعجبت كل الأرض وراء الوحش''.
الذي أعطى الوحش القوة والقدرة والعرش هو التنين، وهنا إشارة لشعار التنين في علم بريطانيا وقصر ويليز الإنجليزي.
فبعد أن أخضعت بريطانيا العظمى الأرض لقوتها وسلطانها، تراجع سلطانها وانحسرت قوتها، وقامت بتسليم السلطان للوحش العظيم (أمريكا)، وهذا واضح في العدد 4 من نفس الإصحاح، إذ يقول: (وسجدوا للتنين الذي أعطى السلطان للوحش، وسجدوا للوحش قائلين: من هو مثل الوحش؟ من يستطيع أن يحاربه)
إذا أكملنا القراءة سنجد أن هناك وحشا آخر خرج من الأرض هذه المرة، وليس من البحر كالوحش العظيم، هذا الوحش صغير وله قرنا خاروف؛ أي إنه في حقيقته ضعيف، لكن قوته مستمدة من غيره ، فهو خروف لكنه يتكلم كتنين ، في العدد 11 و 12 " ثم رأيت وحشا آخر طالعا من الأرض، وكان له قرنان شبه خروف، وكان يتكلم كتنين، 12 ويعمل بكل سلطان الوحش الأول أمامه، ويجعل الأرض والساكنين فيها يسجدون للوحش الأول الذي شفي جرحه المميت".
يمتد الوحش الصغير (اسرائيل) قوته من قوة الوحش الكبير (أمريكا) ويعمل على إخضاع الناس لجبروت سيده الوحش الكبير.
في الأعداد التالية تتحدث رؤيا يوحنا اللاهوتي عن قوة الوحش وصورته، وأن البشرية جمعاء تخضع لصورته ويوسم الناس إما علي يدهم اليمنى أو على جبهتهم ، فيتحكم بهم فلا يستطيع أحد أن يشتري أو يبيع إلا من له السمة، أو اسم الوحش، أو عدد اسمه،  ثم يضع أمامنا لغزا للحل فيقول في عدد 18":18هنا الحكمة من له فهم فليحسب عدد الوحش، فإنه عدد إنسان، وعدده: ستمئة وستة وستون) 666 هذا الرقم في المعتقد المسيحي هو رمز الشيطان، أو ضد المسيح كما يسمونه، وكذلك هو نفسه المسيح الدجال.
أما "دانيال" فيصف هذا الوحش وبنفس الطريقة تقريبا، فيقول: "إنه رأى أنه صعد من البحر المحيط أربعة حيوانات عظيمة مختلفة: - الأول: كالأسد، ولـه جناحا نسر...، والثاني: كالدب، وفي فمه ثلاثة أضلع، والثالث: مثل النمر، وله أربعة أجنحة وأربعة رؤوس، والرابع: حيوان هائل قوي لـه أسنان من حديد، أكل وداس بقية الحيوانات برجليه، وله عشرة قرون طلع بينها قرن صغير طلعت من قدامه ثلاثة قرون، وظهر لهذا القرن الصغير عيون، وفم إنسان، فتكلم بإلحاد وكفر، ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام ذي العرش الذي تخدمه الألوف المؤلفة!! وبقيت الحيوانات الأخرى حية لكن نزع عنهم سلطانهم!!''.
وفي سفر دانيال كذلك، ولكن هذه المرة من الإصحاح السابع، يتحدث عن الوحش العظيم، فنجده يقول: "7 بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جدا وله أسنان من حديد كبيرة. أكل وسحق وداس الباقي برجليه. وكان مخالفا لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون.
8 كنت متأملا بالقرون وإذا بقرن آخر صغير طلع بينها وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه وإذا بعيون كعيون الإنسان في هذا القرن وفم متكلم بعظائم.
9 كنت أرى أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة".
ما لفت انتباهي في الآية التاسعة هذا التوصيف لصاحب العرش الأمريكي (وشعر رأسه كالصوف النقي) ولا أخاله إلا الرئيس الحالي بشعره الذي يشبه الصوف الخالص اللون، ناهيك عن الحديث عن عرشه المتقد نارا، وهي إشارة للصراع على صلاحيته في الرئاسة والمشكلات المحيط به ومحاولات عزله.
نلاحظ الاتفاق في سفر الرؤيا وسفر دانيال على الوحش الكبير والوحش الصغير التابع له والمستمد سلطانه منه.
ولما كان الإنجيليون (البروتستانت " المدرسة الأصولية"  في الولايات المتحدة الذين يشكلون حوالي 45% إلى 47% من عدد سكان أمريكا، وهم حاضنة الحزب الجمهوري، ويؤمنون في أغلبهم بتفوق الجنس الأبيض) يعتقدون أن قيام دولة إسرائيل واتخاذ القدس عاصمة لها هي علامة نزول المسيح  الثاني للأرض، وأن المسيح لن ينزل قبل أن يقام الهيكل على "جبل الهيكل"؛ أي مكان المسجد الأقصى المبارك، وأنهم هم المؤمنون والمختارون لتنفيذ هذه المهمة، فكان من الضروري قطعاً أن تكون الإمبراطورية الرومانية المعاصرة( أمريكا) عدواً لهم وللدولة اليهودية، ولذلك يأتي دعمهم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب  لتحقيق رؤيتهم، وهذا سبب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الوحش العظيم إليها.
من المهم الإشارة هنا أنهم؛ أي البروتوستانت يعتبرون الكنيسة الكاثوليكية هي سلطة الشيطان القائمة وأنها ضد المسيح كذلك، في حين تعتبر الكنيسة الكاثوليكية أن اليهود الذي تآمروا على المسيح ووشوا به للرومان حتى أوصلوه لخشبة الصليب.
 دمار الوحش العظيم
يتحدث سفر الرؤيا عن الوحش العظيم ويطلق عليه صفة الزانية العظيمة، وهي إشارة لكفره وإلحاده
" ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً لِي: هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ الزَّانِيَةِ الْعَظِيمَةِ الْجَالِسَةِ عَلَى الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، الَّتِي زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا". ونجد إسمها في رؤيا 17: 5 "وَعَلَى جِبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ". رؤيا 17: 1-2
وتحمل هذه الدولة او القوة العظمى صفات هي:
1-            الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة التي زنى معها ملوك الأرض وسكر كل سكان الأرض من خمر زناها.
2-           المياه التي رأيت حيث الزانية جالسة ھي : شعوب، وجموع، وأمم وألسنة.
3-           بعد تدميرها، يبكي تجار الأرض وينوحون عليها؛ لأن تجارتهم تتعرض للكساد، فلا يشتري بضاعتهم أحد فيما بعد، وبضائعهم هي من الذهب، ... والبهائم (غنماً، وخيلاً، ومركبات)... سيقف تجار هذه البضائع بعيدا عنها؛  خوفا من العذاب الذي أصابها، يبكون وينوحون، ويقولون: ويل! ويل! ... خربت في ساعة واحدة .
إنها دولة التجارة العالمية والشركات العملاقة والرفاهية الاقتصادية الأكبر على وجه الأرض تنهار في ساعة واحدة (وهذا تعبير عن سرعة انهيارها)، وما بكاء الدول الأخرى (التجار) عليها إلا لتأثرهم الاقتصادي كذلك بسبب انهيارها.. ذلك أن ثروتهم وتجارتهم العالمية مرتبطة بعملتها (الدولار).
طريقة دمار الولايات المتحدة:
يكمل السفر ليصف طريقة انهيار الزانية العظيمة فيصف المشهد كالتالي:
"رفع ملاكٌ واحدٌ قويٌ حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً: هكذا بدفْعٍ سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد فيما بعد".
ويضيف: "لأن تجارك كانوا عظماء الأرض إذ بسحرك ضلت جميع الأمم وفيها وجد دم (أتباع) أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض".
عند هذه اللحظة يقع العقاب الإلهي: تهلل الشعوب(المؤمنة)، ومن في السماء (الملائكة) يهللون لعدالة السماء قائلين:
"المجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا، لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض برزنها، وانتقم لدم عبيده من يدها".
لكن الإصحاح 18 من سفر الرؤيا يقول شيئا شبيها لما ورد في رؤيا يوحنا اللاهوتي فلنقرأ معاً " ثم بعد هذا رأيت ملاكاً آخر نازلاً من السماء له سلطان عظيم واستنارت الأرض من بھائه، وصرخ بشدة بصوت عظيم قائلاً سقطت، سقطت بابل العظيمة وصارت مسكناً لشياطين ومحرساً لكل روح نجس ومحرساً لكل طائر نجس وممقوت، لأنه من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم وملوك الأرض زنوا معها."
فالدولة العظمى هذه هي مسكن للشياطين والأرواح النجسة، ولا أخال هذه إلا إشارة لطغيان اليهود وسيطرتهم عليها، إنهم حلفاء الطاغوت وشياطين الإنس، هم من أفسد أمريكا، فسيطروا على ثرواتها وإعلامها ونشروا فيها الفاحشة والقمار وكل أمر مخالف لتعاليم السماء.
أما الطائر النجس والممقوت فهو إشارة واضحة للقوة العسكرية الأمريكية بطائراتها الحربية وصواريخها الفتاكة، "من خمر غضب زناها قد شرب جميع الأمم وملوك الأرض زنوا معها"؛ أي التي أذاقت غضبها وويلاتها شعوب الأرض في أفغانستان، والعراق، وفلسطين، وليبيا واليابان، وكل شعوب الأرض،  وكان ذلك مباشرة أو بوساطة ملوك الأرض الذين زنوا معها، أولئك الذين فعلوا بشعوبهم مثل فعلها وبدعم  وتأييد مباشرين منها، كما هو الحال في طواغيت العالم العربي وغيرهم من الملوك في العالم.

إذن فالعقاب الرباني يأتي بسبب ظلمها للعباد، وسفكها لدماء الأبرياء وعلى شكل إعصار بحري شديد، وهذا العذاب يعيدنا إلى ما وقع على عاد الأولى: "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ* سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى القَوْمَ فِيْهَا صَرْعَى كَأَنَّهمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ" (الحاقة: 6-8)
لكن الصيحة تأتي هنا على شكل هتاف يقول: "أيتها القائمة على المياه الغزيرة الكثيرة الكنوز، قد حان أجلكِ، بنفسه أقسم رب القوات: أملوك رجالاً كالجنادب فيصيحون عليك بهتاف الانتصار؟  هو الذي صنع الأرض بقوته وثبّت الدنيا بحكمته "
ويقول في موضع آخر ويؤكد عدالة الله، فالجزاء عنده من جنس العمل: "ثم سمعت صوتاً آخر من السماء قائلاً اخرجوا  منها يا شعبي لئلا تشتركوا في خطاياها،  و لئلا تأخذوا من ضرباتها؛ لأن خطاياها لحقت السماء وتذكّر الله آثامها، جازوها كما هي أيضاً جازتكم، وضاعفوا  لها ضعفاً نظير أعمالها،  في الكأس التي مزجت فيها امزجوا لها ضعفاً قدر ما مجدت نفسها وتنعمت بقدر ذلك، أعطوها عذاباً وحزناً".
العجيب في النبوءات أنها تربط بشكل لا ريب فيه بين انهيار الوحش العظيم وسقوط الوحش الصغير، فالصيحة،  أو كما يطلق عليها الكتاب هتاف الانتصار، تصيب الطرفين في آن واحد، أو سقوط الوحشين الكبير يتلوه الصغير، يقول أشعياء: "استيقظي،  استيقظي البسي عزك يا صهيون (أي يا فلسطين)  البسي ثياب فخرك يا أورشليم يا مدينة القدس فإنه لا يعود يدخلك أقلف ولا نجس، انفضي الغبار عنكِ قومي اجلسي يا أورشليم حُلَّت قيود عنقك أيتها الأسيرة".
إذن، هو يوم عز وفخار، يوم تنفض القدس عنها الغبار، وتتطهر من رجس الأنجاس، ومن دنس اليهود.

ويصف "اشعيا" 5 في الأعداد من 25-29 الجيوش التي تصل القدس فتحول الجيش الإسرائيلي إلى جيفة لهم رائحة المزابل "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَمَدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ، حَتَّى ارْتَعَدَتِ الْجِبَالُ وَصَارَتْ جُثَثُهُمْ كَالزِّبْلِ فِي الأَزِقَّةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ. 26  فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا. 27 لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلاَ عَاثِرٌ. لاَ يَنْعَسُونَ وَلاَ يَنَامُونَ، وَلاَ تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ، وَلاَ تَنْقَطِعُ سُيُورُ أَحْذِيَتِهِم. 28 الَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَالصَّوَّانِ، وَبَكَرَاتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ. 29 لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ، وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ، وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ. 30 يَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَهَدِيرِ الْبَحْرِ. فَإِنْ نُظِرَ إِلَى الأَرْضِ فَهُوَذَا ظَلاَمُ الضِّيقِ، وَالنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا".

 يسبق الآيات المذكورة أعلاه سبب غضب الله-تعالى- على شعب اسرائيل، في مجموعة كثيرة من الآيات مفادها أنهم لم يتبعوا الشريعة، واستهانوا بكلام قدوس إسرائيل، فشربوا الخمر وقلبوا الحق باطلا والباطل حقا، وهناك إشارة للتهمة الرئيسية المتهم بها رئيس وزرائهم هذه الأيام في الآية 23 "الَّذِينَ يُبَرِّرُونَ الشِّرِّيرَ مِنْ أَجْلِ الرُّشْوَةِ، وَأَمَّا حَقُّ الصِّدِّيقِينَ فَيَنْزِعُونَهُ مِنْهُمْ" عودة للأعداد المذكورة أعلاه نجد أن الجيوش المشاركة في المعركة قادمة من أماكن بعيدة، لكنها أتت مسرعة، رغم ذلك فهي غير متعبة، فلم يصبهم نصب ولا تعب، حتى حقائبهم لم تفتح، ولم يخلعوا أحذيتهم، وهذا دليل كان من الصعب فهمه في ذلك الوقت من النبوءة،  لكننا نفهم هذه الأيام أن وصول هذه الجيوش هو على متن طائرات سريعة "فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا" أو عربات جند وقوات محمولة إما جوا أو برا.
وفي وصف أسلحتهم الفتاكة يقول النص:
"الَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَالصَّوَّانِ، وَبَكَرَاتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ" فهم عباد أولي بأس شديد "لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ، وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ، وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ" يستنجد جيش العدو (الوحش الصغير) ويصرخ كالفريسة بين أنياب الأسود والأشبال، ولا من منقذ، فلا يستجيب (الوحش الكبير) ، لا أحد يهرع لنجدته، فليسيئوا وجهوهم ويمرغوها بالتراب، ويدوسوا خلال الديار وليتبروا ما علو تتبيرا، فأين هو الوحش العظيم؟، وأين هي امريكا منقذتهم ؟، لا أحد يجيب، "ويَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَهَدِيرِ الْبَحْرِ. فَإِنْ نُظِرَ إِلَى الأَرْضِ فَهُو ذَا ظَلاَمُ الضِّيقِ، وَالنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا" فتضيق عليهم الأرض بما رحبت، وترتفع سحب الدخان وغبار المعركة يملأ الأجواء، فيتحول النهار إلى ظلام دامس.
 يومها يمن الله –تعالى-على المؤمنين بنصره العظيم، ويتحقق وعد الآخرة، الذي يصفه سفر صفنيا بالقول:
"لأَنِّي حِينَئِذٍ أُحَوِّلُ الشُّعُوبَ (وفي رواية الأميين) إِلَى شَفَةٍ نَقِيَّةٍ، لِيَدْعُوا كُلُّهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ، لِيَعْبُدُوهُ بِكَتِفٍ وَاحِدَةٍ." ]صفنيا [9:3

من المهم هنا أن نقف قليلا، فالتوراة تستخدم اسم (الشعوب) لتميزهم عن شعب الله "المختار" أو بني اسرائيل، وتسميهم الأغيار، وكذلك الأميين، فالمنتصرون في الآية أعلاه هم من الشعوب، الذين يحملون صفات (شفة نقية)؛ أي لا يقولون إلا الحق فهم مؤمنون أطهار، فلا يقولون على الله-تعالى- الكذب، ويعبدونه (بكتف واحدة)؛ أي يصطفون الواحد إلى جانب الآخر، كتف بكتف، وطريقة صلاتهم هذه لم تكن معروفة سابقا ولا لاحقا إلا عند المسلمين، "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2)  فالصلاة عند غيرهم لا يكون فيها تلاصق بل تباعد، أما العباد الذين تصفهم الآية أعلاه فهم يقومون على (تراصوا وسدوا الفرج)
ننوه أن الرؤيا التي اعتمدنا عليها في أغلب بحثنا هي ما تسمى برؤيا (يوحنا اللاهوتي) وهو ليس يوحنا المعمدان أحد حواريي المسيح -عليه السلام-، وله سفر خاص به يحمل اسم (سفر يوحنا) وقد خلط كثير من المسيحيين في بداية الأمر بين الاثنين، فتنبه علماؤهم لذلك وألحقوه بالعهد الجديد؛ أي آخر الإنجيل، وهو عبارة عن رؤيا رآها شخص يحمل اسم يوحنا، تحكي تاريخ البشرية منذ نزول المسيح حتى عودته الثانية   أعلى الأرض، هذا والله تعالى أعلم.



[1]  ما لفت انتباهي هنا، وبعيدا عن موضوعنا استخدام كلموا "هللوا"  وهي  طلب تمجيد الله وقوته سبحانه وتعالي، كما أن التهليل هو قول "لا إله إلا الله" وهذه أيم والله أساس الرسالات السماوية كلها، إلا وهي توحيد الخالق جل في علاه.

هناك تعليق واحد:

  1. كم هو جميل ورائغ ان نخرج من بونقة التكهنات الشائغة التي يتداولها المثقف وغير المثقف العالم والجاهل الى البحث العلمي المقرون بالدلائل المنطقية ، نعم هذا اجتهاد رائغ ابن العم الغالي باسلوب راق وشائق وجاذب . ندعو الله ان يتحققاجتهادك ليشفى قلوب قوم مؤمنين / الى الامام وبالتوفيق

    ردحذف

ارحب بردودكم